ما هي خصال كفارة الصوم؟

اقرأ في هذا المقال


خصال كفارة الصوم:

لقد قلنا إنَّ الكفارة واجبة على الترتيب نتكلم عن خِصالها على النحو الذي اخترناه مرتبة: العتق، الصّيام، الإطعَام.

عتق الرقبة:

  • عتق الرقبة: أيّ تحريرها من ذل الرق والعبودية إلى نور الحرية: والحكمة في أن تكون أول خِصال الكفارة عتق رقبة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع والأكل والشرب قد أهلك نفسه بالمعصية، ويُعبر عن هذا قول الأعرابي”هلكت” فناسب أن يعتق رقبة تفدى نفسه، وقد صح أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار. وهذه الرقبة الذي يقوم المكفر بإعتَاقها يشترط فيها أن تكون سالمة من العيوب، فلا يجوز عتق الرقبة إذا كان بها عيب بأن كان مقطوع اليد أو المرجل أو أعمى أو به عيب مخل لا يجعل أحداً يقدم على شرائه حتى ولو كان عيباً عقلياً؛ لأن الكفارة فيها معنى العبادة ويتقرب بها إلى الله، فلا بدّ أن تكون طيبة وطيبها هو خلوها من العيوب الظاهرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيباً..” الحديث مسلم بشرح النووي. ولا فرق بين الرقبة الصغيرة والكبيرة ولا بين الرجل والمرأة؛ لأن كلاً منهما يطلق عليه اسم رقبة حتى إنَّ الصغيرة ولو كان ابن شهر أو شهرين جاز عتقه؛ لأنه يرجى كبره كالمريض الذي يرجى برؤه.

شروط الرقبة المعتقة:

ويشترط في الرقبة المعتقةِ عدة شروط من أهمها ما يلي:

  • ملك الرقبة: بمعنى أن تكون الرقبة المعتقة مملوكةً للمعتق، فلو أعتق إنسانٌ عبده عن كفارة غيره لا يجوز، وإنَّ أجاز ذلك الغير؛ لأن الإعتاق وقع منه فلا توقف على غيره ولو قال: أعتق عبدك على ألف درهم عن كفارتي فأعتقه أجزأه لمقابلة العبد بالألف.
  • أن تكون الرقبة كاملة للمعتق وهو أن تكون كلها ملك المعتق: لأن التحرر المطلق مضاف إلى الرقبة ولا يتحقق بدون الملك الكامل، فلو كان هناك رقبة مشتركة بينه وبين رجل فلا تجزئه عن الكفارة لنقصان الملكية والمراد تحرير رقبة تامة الملك.
  • أن تكون الرقبة كاملة الرق: بمعنى أنها لا توجد فيها شائبة الحرية؛ لأن المأمور به تحرير رقبة مطلقة والتحرير تلخيص عن الرق فيقتضي كون الرقبة مرموقة مطلقة ونقصانِ الرق فوات جزء منه فلا يكون تحريرها مطلقاً فلا يكون آتياً بالواجب وعلى هذا يخرج تحرير المدبر وأم الولد عن الكفارة؛ لنقصان رقمها لثبوت الحرية من وجه.
  • أن تكون كاملة الذات: وهو أن لا يكون جنس من أجناس منافع أعضائها فائتاً؛ لأنه إذا كان كذلك كانت الذات هالكةً من وجه فلا يكون الموجود تحرير رقبة مطلقة، فلا يجوز عن الكفارة وعلى هذا يخرج عتق عبدٍ مقطوع اليدين أو الرجلين أو احدهما إلى آخره.
  • أن يكون الإعتاق بغير عوض: فإن بعوض لا يجوز؛ لأن الكفارة عبارة عما يكون شاقاً على البدن فإذا قابله عوض لا يشق عليه إخراجه عن ملكه.

هل يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة:

فعند المالكية والشافعية والحنابلة، اشترطوا في الرقبة أن تكون مؤمنة وعند الحنفية، لم يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة. وسبب الخلاف في هذا: هو أن القائلين بشرط الأيمان يحملون المطلق على المقيد بمعنى أنهم يلحقون كفارة الصوم وغيره من الكفارات بكفارة القتل، فقد ورد فيها النص بتحرير رقبةٍ مؤمنة، فحمل المطلق على المقيد، أما الذين لا يشترطون الأيمان في الرقبة”وهم الحنفية” فإنَّهم يحملون المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده بمعنى كل نص يُطبق فيما ورد فيه.
الأدلة:
– أدلة الجمهور القائلين بشرط الأيمانِ في الرقبة هي:
قوله تعالى:”وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ” النساء:92.
وقد قالوا الجمهور أيضاً بأنه تُقاس سائر الكفارات على كفارة القتل وإنَّ كان الرأي عندي أنه لا داعي للقياس؛ لأن القياس حمل ما لا نص فيه على ما فيه نص لتعديةِ الحكم من المقيس عليه إلى المقيس، ولما كان القرآن كله يُعتبر كنصٍ واحد متصل ويُفسر بعضه بعضاً كان حمل المطلق على المقيد أولى من القياس؛ لأن حمل المطلق على المقيد يجعل النص الوارد في التقييد كأنه وارد في الإطلاق.
إنَّ صرف الزكاة لا تكون إلا للفقير المسلم أو المسكين ولا سيما وأن الكفارة فيها معنى العبادة وفيه التقرب إلى الله تعالى، فإنَّ إعطاؤها للمسلم أولى كما إن عتق الرقبة المؤمنة يجعلها تتفرغ لطاعة الله وعبادته بدلاً من شغلها بخدمة السيد.
– أدلة الحنفية القائلين بعدم اشتراط الأيمانِ في عتق الرقبة: واستدلوا بما يلي:
1. حديث الأعرابي وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: هل تجدُ ما تعتق به رقبة إلى آخر الحديث. ووجه الدلالة هنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يُقيد الرقبة المعتقة بأنها مؤمنة بل قال:عتق رقبة، وكفى ، وحملَ هذا النص على غيره ممكن ويكون ذلك بأنه لا يمكن حمل المطلق على المقيد لأننا لو حملنا المطلق على المقيد، فحملنا كفارة الصيام والأيمانِ والظهار على كفارة القتل لكان ذلك إهمالٌ للنصوص الواردة في هذه الأشياء، وأعمال النص الوارد في كفارة القتل ولو أعلمنا كل دليل فيما ورد فيه لكان فيه أعمال لسائر الأدلة وإعمال الأدلة كلٌ في مجاله أولى من أعمال بعضها وإبطال الآخر.
2. إنَّ حمل المطلق على المقيد فيه ضربٌ للنصوص بعضها في بعض وجعل النصين كنصٍ واحد مع إمكان العمل بكل واحدٍ منهما على حِده، وهنا يفترق عن المجمل والمفصل؛ لأن المجمل لا يمكن العمل مظاهرة إلا بعد تفصيله.

3.
وأن حمل المطلق على المقيد فيه نسخٌ للإطلاق؛ لأن بعد ورود النص لا يجوز العمل بالمطلق بل حكمه وليس النسخ إلا بيان منتهى مدة الحكم الأول ولا يجوز نسخ الكتاب بالقياس ولا بخبرٍ واحد.
أما الرأي الراجح وهو:
– أن الرقبة الأولى عند الإعتاق أن تكون مؤمنة، وسبب ذلك: أن تحرير المؤمن فيه فائدة لتكثير ثواب المسلمين الأحرار.
أن عتق المؤمنة تخليص المؤمن من ذل العبودية إلى ساحة الحرية.
أن عتق الرقبة المؤمنة فيه تفريغ لطاعة الله تعالى بدلاً من أن يكون بعض وقته مشغولاً بخدمة سيده.
أن المنتهك لحرمة الصوم فيه اعتداء على عبادة وعتق الرقبة المؤمنة يستر هذا الاعتداء. والكفارة فيها معنى العبادة ونية التقرب إلى الله تعالى، وعتق الرقبة المؤمنة أقرب إلى الكمال وفيه معنى العبادة الموجودة في الكفارة.
أن غير القادر على طول الحرة أباح الله له أن يعفُ نفسه بنكاح الأمة واشترط فيها أن تكون مؤمنة فكأن الأيمانِ مطلوبٌ في تحقيق العفة فأولى به أن يكون مطلوباً في تحرير الرقبة المؤمنة.


شارك المقالة: