شروط الناذر في النذر:
يشترط الفقهاء في الناذر شروطاً، بعضها اتفقوا عليه وبعضها اختلفوا فيه وسنذكر بعض هذه الشروط:
- الإسلام: فلا يجوز نذكر الكافر؛ لأن النذر قربة، والقربة لا تجوز من الكافر، واشترط هذا الشافعية والمالكية والحنفية. وخالف الحنابلة في ذلك فلم يشترطوا الإسلام في الناذر. قال صاحب الإنصاف: ويصحُ من الكافر مطلقاً على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به في المغني، واستدل لهم بما رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده عن ابن عمر: إنَّ عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله إنّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام، قال: “أوفِ بنذرك”. صحيح البخاري.
فعن عمرو بن شعيب عن ابنة كردم عن أبيها أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:” إنّي نذرت أن أنحر ثلاثة من إبلي، فقال: إنَّ كان على جمع من جمع الجاهلية أو على عيد من أعياد الجاهلية أو على وثنٍ فلا، وإنَّ كان غير ذلك فاقضِ نذرك”. رواه أبو داود وابن ماجه. - التكليف: فلا بدّ أن يكون الناذر بالغاً عاقلاً، إذ لا تكليف بالأحكام الشرعية قبل البلوغ والرشد العقلي، فلا يصح نذر الصغير المميز ولا غير المميز ولا المجنون. وذلك لحديث النبي عليه الصلاة والسلام:”رفع القلم عن ثلاث. وهذا شرطٌ متفق عليه عند الفقهاء.
- الاختيار: وهو أن يكون الناذر مختاراً لا يقع تحت طائلة الإكراه في نذره لقوله صلّى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. وخالف الحنفية ومالك فلم يعتبروا الرضا والاختيار شرطاً فأجَازوا نذر المُكره والهازل.
- نفوذ التصرف فيما ينذرهُ: فلو نذر أحد أن يتصدق بمال لآخر فلا يصح نذره؛ لأن الناذر لا يستطيع أن يتصرف بمال الآخرين.
شروط المنذور به:
ولا بدّ للمنذور به أن تتوافر فيه الشروط التالية:
- أن يكون المنذور به متصور الوجود شرعاً وعقلاً: فلا يصح النذر بما لا يتصور وجوده شرعاً أو عقلاً، كالنذر بصوم ليلة أو أكثر من الليالي. فالصومُ هنا غير متصور الوجود شرعاً؛ لأن الليل كما هو معلوم ليس بزمنٍ للصوم. ومن هذا القبيل نذر المرأة الحائض أو النفساء الصوم أو الاعتكاف في المسجد أيام حيضها أو نفاسها. فالنذر هنا لا ينعقد؛ لأن الطهارة من الحيض والنفاس شرط شرعي لصحة الصوم. ولا ينعقد نذر من نذر بأن يصوم يوم أمس، فإنَّ صيام يوم أمس غير متصور الوجود عقلاً بل هذا محال، والنذر لا يصح في محال. وهذا هو الصحيح في مذهب الإمام أحمد.
- أن يكون به المنذور به قربةً، والقربةُ هي كل ما يُرتب الشارع عليه أجراً، سواء كان فعلاً أو قولاً أو غير ذلك. ومن هنا فلا يصح النذر ولا ينعقد بما لا يُعدّ قربة من القربات في هذا الدين. وعلى هذا فلا يصحُ النذر بمعصيةٍ قط، مثل النذر بقتلِ إنسانٍ مسلم. أو سرقة ماله، أو شتمهُ وسبهُ وقذفهُ أو أن يلحق به الأذى بأيّ ناحيةٍ من النواحي. وأن أيضاً بأن النذر لا يصح بمعصيةٍ من المعاصي؛ لأنه لا نذر في معصية الله ولقوله عليه الصلاة والسلام.”من نذر أن يعصي الله فلا يعصهِ”. ولأن الوفاء بالنذر واجب وهذا يعني وجوب فعل النذر به وهو المعصية، ووجوب فعل المعصية محال في الشريعة الإسلامية. إذ لا يعقل أن يوجب الشرع فعل شيء ويحرمه في آنٍ واحد. وذهب الإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى بطلان المعصية. ولا يصح النذر بكل مكروه شرعاً، مثل نذر الرجل بأنّ يطلق امرأته أو أن يمتنع عن الإصلاح بين الناس، أو يمتنع عن النفقة على أقاربه المحتاجين.
- أن يكون المنذور به قربة مقصودة، فلا يصح النذر بما لا يُعدّ قربة مقصودة: والمراد بالقربة المقصودة هو أن كل ما له أصل في الفروض يُعدّ قربة مقصودة، وكل ما ليس له أصل في الفروض فلا يُعدّ قربةً مقصودة، ولهذا قالوا: إنَّ ما له أصل في الفروض يجوز النذر به كصلاة النافلة والاستسقاء والتهجد والضحى وصدقة التطوع وحجّ التطوع وعمرة التطوع. وما ليس له أصل في القروض لا يجوز النذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة والوضوء والاغتسال ودخول المسجد ومس المصحف.
- أن لا يكون المنذور به واجباً مثل الصلوات الخمس وصوم رمضان والزكاة وحج الفريضة. فالنذرُ بهذه الواجبات لا ينعقد؛ لأنها واجبات أوجبها الشارع، فلا معنى لالتزامها. ولو نذر ترك المحرمات، مثل الإقلاع عن الزنا، وشرب الخمر وقتل النفس، لما كان هذا نذراً؛ لأن الشارع أوجب الإقلاعِ عنها.
- أن يكون المنذور به ملكاً للناذر، ينفذُ في تصرفه، فلو نذر أحدٌ أن يتصدق بمالٍ لغيره فلا يصح نذره؛ لأن الناذر لا يستطيع أن يتصرف بمال الآخرين.