ما هي طبيعة مرحلة حكم المهدي؟

اقرأ في هذا المقال


ما هي طبيعة مرحلة حكم المهدي؟

قال الله تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” الحديد:25. وتشير الآية الأولى إلى طبيعة كل الرسالات السابقة، حيث بينت الآية قضية كلية وهي أنه من كتاب أنزل وما من رسول أُرسلَ إلا ليقوم الناس بالقسط؛ أي لأجل إحقاق العدل في الأرض، والذي لا يمكن تصور تحقيقه إلا بتحكيم كاملٍ لشرعِ الله تعالى.
وقال تعالى: “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ” الأنعام:90. ودليلُ هذه الآية فقد جاءت بعد ذكر لسير الأنبياء السابقين، وفيها توجيهٌ لرسول الله عليه الصلاة والسلام بأنّ هؤلاء هم أئمة الهدى في الأرض قبلك، بسنتهم وهداهم اقتدِ، ومن سنتهم كما وضحت الآية الأولى تقرير العدل وتحقيقه في الأرض.
إنّ وجه الاتصال بين الآيتين موضوعنا هنا هو أنّ أهم صفةٍ صرحت فيها الأحاديث في مرحلة المهدي عليه السلام أنهُ يملأ الأرض عدلاً، أي أنّ أهم إنجازٍ من إنجازاته هو تحقيق العدل في الأرض، وهذه الخاصيةُ كما بينت الآية هي المقصد الأول لبعثة الرسل وإنزال الكتب السماوية، لذا لا غرابة من تأكيد الأحاديث على هذا المقصد بالذات، وكذلك الآية الثانية تُشير إلى ضرورة الإقتداءِ بأئمة الهدى من قبلنا من أنبياء ورسل، والمهدي الذي أخذ وصف الهداية حتى أصبح يعرف به على وجه العلمية هو الأولى بالاقتداء في هَديهم في إقرار العدل في الأرض.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “أُبشِّرُكم بالمَهْديِّ، يُبعَثُ في أُمَّتي على اختِلافٍ منَ النَّاسِ وزَلازِلَ، فيَملَأُ الأرضَ قِسطًا وعَدلًا، كما مُلِئَتْ جَوْرًا وظُلمًا، يَرْضى عنه ساكنُ السَّماءِ، وساكنُ الأرضِ، يَقسِمُ المالَ صِحاحًا”، فقال له رجُلٌ: ما صِحاحًا؟ قال: بالسَّوِيَّةِ بيْنَ النَّاسِ، قال: ويَملَأُ اللهُ قُلوبَ أُمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غِنًى، ويَسَعُهم عَدلُه، حتى يأمُرَ مُناديًا فيُنادي فيقولُ: مَن له في مالٍ حاجةٌ؟ فما يقومُ منَ الناسِ إلَّا رجُلٌ: فيقولُ: أنا، فيقولُ: ائْتِ السَّدَّانَ -يَعْني الخازنَ- فقُلْ له: إنَّ المَهْديَّ يأمُرُكَ أنْ تُعْطيَني مالًا، فيقولُ له: احْثُ حتى إذا جعَله في حِجْرِه وأَبرَزه نَدِمَ، فيقولُ: كُنْتُ أَجشَعَ أُمَّةِ محمٍد نفْسًا، أوعَجَز عنِّي ما وَسِعهم؟ قال: فيرُدُّه فلا يَقبَلُ منه، فيُقالُ له: إنَّا لا نأخُذُ شيئًا أَعطَيْناه، فيكونُ كذلك سَبعَ سِنينَ -أو ثَمانِ سِنينَ، أو تِسعَ سِنينَ- ثُم لا خَيرَ في العيشِ بعدَه -أو قال: ثُم لا خَيرَ في الحياة بعدَه”. أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.
شرح الحديث:
يوجدُ هناك بعض الآثار الدالة على طبيعة مرحلة المهدي عليه السلام وقد سبق أن ذكرت، وهي تُشير إلى حالة رخاء غير معهودةٍ على مدار البشريةِ كلها، وكأنما يتحدث عن جنةٍ مصغرة على الأرض، ويوجد هناك عدة النصوص التأملية وعدةُ وقفات سنتوقف عندها وهي ما يلي:
الوقفة الأولى: أنه على فرضية أنّ مدة استقرار ملك المهدي هي 7-9 سنوات، وهي السنوات التي يكون فيها هذا الرخاء العظيم، وعلى فرضية أنّ هذه المدة تبدأ بعد انتهاء الملاحم كلها، أي بعد الدّجال، فيتصور أن مدّة الرخاء هذه هي نفس المدة التي يكون فيها عيسى عليه السلام، لذا بعض الأحاديث نَسبت هذه المرحلة من الرخاء لعيسى.
الوقفة الثانية: هي أنه لماذا خصت هذه المرحلة بالذات بهذا الشكل غير المعهود من الرخاء، ويُجاب عنه بأن الغُرم بالغنم، وكذلك الغُنم بالغُرم أو الأجرِ على قدر المشقة، فعلى قدر التضحيات تكون البركات، وهذه المرحلة بالذات هي من أصعب مراحل الحق والباطل على وجه البسيطة كما صرح النبي عليه الصلاة والسلام في عدة أحاديث. ففيها الملاحمِ العِظام وخاصةً الملحمة الكبرى التي لم يرَ، وفي رواية لن يرى مثلها، وفيها فتنة الدّجال التي سميت بأعظمِ فتنةٍ على وجه الأرض، وتلك المرحلة هي مزيج من الخوف المفزع والجوع الموبق والممحصاتِ المهلكة والعطاءات المترادفة والتضحيات المتتابعةِ من أهل الحق؛ لذا هم أحق بعد هذه الجولات المتكررة في أشد مرحلةٍ يمر بها صراع الحق والباطل أن يعجل لهم بعض البشرى بأنّ ينالوا جزءً من بركات تضحياتهم في حياتهم الدنيا.

الوقفة الثالثة:
نلحظُ من هذه الأحاديث السابقة أنّ هناك تلازماً بين السنن الكونية أو الطبيعيةِ وبين حال البشر من حيث الفساد أو الصلاح، فالذي خبث لا يخرج إلا نكداً، وانتشار الفساد في البر والبحر هو نتيجةً حتميةً لمَعاصي البشر، والإيمان والتقوى سبب مباشر لنيل بركات السماء والأرض، وانتشار العدل سبب لعموم الرخاء؛ لذا ازدانت الأرض وتزينت وأخرجت أطيب بركاتها في عهد العدل والقسط والاحتكام لدين الله في الأرض.


شارك المقالة: