اقرأ في هذا المقال
قصة أصحاب السبت:
هناك قرية كانت في زمن من تاريخ بني إسرائيل، فطلب الله تعالى من محمد عليه الصلاة والسلام أن يسأل اليهود الذين في المدينة عن هذه القرية وما هي قصتهم وما هي أخبارها وعن أحداثها؛ لأن اليهود في المدينة أنكروا نبوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام فكان يختبرهم ويسألهم بعض الأسئلة وكان يجيب عليها، حتى يتأكدوا بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في أنفسهم فقد كانوا يعملون بأنه النبي ولكن في ظاهرهم أنكروا أنه رسول الله.
اسم قرية أصحاب السبت:
قرية تعيش على ساحل البحر بعضهم قال اسمها “أيلة” قالوا عند مدين وغيرهم قالوا أسماء كثيرة، لكن المهم أنها كانت على شاطئ البحر، فقال تعالى: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ” وبني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام وما بعد زمن موسى وما قبل زمن موسى كان اليوم المعظم لهم، كما في الأمم من قبل كان يوم الجمعة هو اليوم المحرم لمّا خلق الله تعالى السماوات والأرض وجعل الأيام سبعة، حدد يوم الجمعة هو اليوم الأعظم فيها، وهو اليوم الذي يكون مخصوص للعبادات وليس في غيرها، فضلت اليهود وضلت النصارى، فصار لليهود يوم السبت، وضلوا عن يوم الجمعة، وصار للنصارى يوم الأحد فقد ضلوا عن يوم الجمعة. “إنما جُعل السبت على الذين اختلفوا فيه”.
وهنا يدل على أنهم ضيعوا يوم الجمعة، وعندما ضيعوا هذا اليوم صار يومهم هو يوم السبت، فحرم الله تعالى عليهم فيه كل شيء وكل أنواع العمل، مثل القتال والحرث والزرع والصيد المعاش فكل ذلك صار حرام عليهم يوم السبت، فقال تعالى: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” الأعراف:163.
وتدل هذه الآية الكريمة انهم تعدوا على يوم السبت، كانت هذه القرية تعتمد في عيشها على صيد السمك من البحر، كانوا يصيدون السمك يبيعوه ويعتمدون على بيعه في سير حياتهم، يصيدون من يوم الجمعة حتى الاحد، فإن جاء يوم السبت توقفوا عن الصيد.
ومع مرور الأيام اعتاد هذا السمك ان يقلّ في الأيام كلّها، فإذا جاء يوم السبت الذي لا يصطادون فيه تكاثر السمك وانتشر في البحر بشكل كبير، بل انه كان يأتي عليهم حتى انهم يستطيعون أن يمسكوه بأيدهم لكثرته؛ لكنه لا يفعل ذلك لأن يوم السبت عليهم حرام.
لقد ابتلاهم الله تعالى بظلمهم وفسقهم وفجورهم، فبني إسرائيل كانت أمة معارضة ومكابرة، الله يأمرهم بذبح بقرة فيجادلون، ما لونها وما شكلها ما عمرها ما صفتها ما هي، فصفتهم فقط هي المجادلة، يرزقهم الله المن والسلوى ولا يقبلون يردون الثوم والبصل، إذن فهي أمة فاسقة وظالمة، لم يكن الله منجيهم من فرعون ولكنهم لم يصدقوا، وقالوا فرعون لا يموت، فنجى الله تعالى جثته حتى يروا جثة فرعون بأعينهم ويصدقوا.
فالله تعالى حرم عليهم يوم السبت وفتح لهم جميع الأيام الأخرى، لكن ابتلاهم الله عز وجل لفسقهم وفجورهم، فكانت الأسماك يوم السبت تطفح فوق الماء وتتكاثر وكانت تطفو على وجه الماء من كثرتها، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم؛ لأنهم عادوا وتجاوزوا وظلموا في يوم السبت.
فقام أحد من بني إسرائيل وقال: إلى متى سأبقى أنظر إلى السمك ولا أستطيع أن أكل منه أو أصطاده، ما هذا الدين، فقرر الرجل أن يضع شباكه يوم الجمعة ولا يريد إخرجها ليلة السبت وقبل غروب الشمس سأضع الشباك فآتي الأسماك يوم السبت للشباك وتتكاثر وتدخل في الشباك، وسآخذ الشباك في ليلة الأحد أول غروب الشمس، وتكون قد امتلأت بالأسماك. فيقول لهم هذا الرجل أنا لم أصطاد يوم السبت، ولكن وضعت الشباك يوم الجمعة وأخرجتها يوم الأحد فلم أصطاد يوم السبت.
فلما أخذوا السمك صار يطهو منه، قام بعض الجيران بشم رائحة السمك فذهبوا إليه وسألوه من أين لك هذا السمك، فأخبرهم بالخبر ولما علموا أنه فعل وما نزلت عليه عقوبة، تكالب الناس على البحر أي أنهم تجمعوا وذهبوا ليفعلوا مثله، صاروا يضعونها الجمعة ويأخذونها يوم الأحد قبل غروب الشمس.
وعندما مرّت الأيام ونظروا إلى أنفسهم ولم يشاهدوا أي عقوبة نزلت بهم صاروا يذهبوا للصيد حتى يوم السبت فصاروا يتجاوزن يوم السبت واعتدوا على حرمة الله تعالى، وتجاوزوا حدود الله ووقعوا في المنكرات ولم يبالوا، وفي تلك اللحظة انقسم بني إسرائيل إلى ثلاثة أقسام.
انقسام بني إسرائيل إلى ثلاثة أقسام جراء صيدهم للسمك يوم السبت:
انقسم الناس في تلك القرية إلى ثلاثة أقسام، الأول منهم هم الذين وقعوا في هذا المنكر وهم الفسقة والفجرة والظلمة يعني فعلوا الحرام في البداية كان سرًا ثم تجرأوا شيئًا فشيئًا حتى صار الأمر مجاهرةً ومكابرة، ففي البداية كانت حيلة وبعدها تجرأوا واصطادوا يوم السبت.
أما القسم الثاني: وهم الذين أنكروا عليهم، وقالوا لهم: اتقوا الله؛ لأن ما تفعلونه حرام، فالأمة التي أمرت بالمعروف والتي نهت عن المنكر، وهي خير أمة أخرجت للناس التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، الذين قالوا: إن ذلك حرام ولا يجوز وانه فعل عظيم وتستحقون اللعنة من الله تعالى، وبدأوا ينكرون عليهم.
أما القسم الثالث: وهم القسم المتفرج، وهو الذي لم يأتي بالمنكر ولا هو الذي منع أهل المنكر من فعلتهم فقد جاءوا إلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأخذوا يثبطونهم، فقال تعالى: “وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” الأعراف:164. أي لماذا تنكرون عليهم والله سيعذبهم، فيسمى هذا القسم بالفاشل المثبط الذي يمنع من الدعوة إلى الله.
ومع مرور الأيام الدعاة إلى الله خافوا، وقالوا: هؤلاء ستنزل عليهم لعنة الله وعذابه الشديد، وسنجعل بيننا وبينهم حاجزًا فلا نخالطهم ولا نُآكلهم ولا نساكنهم، صحيح أنهم أقرباءنا ولكن المعصية فرقة بيننا، فسنجعل في حصن من حصوننا سورًا بيننا وبينهم، سورٌ فيه الدعاة إلى الله ومن سكتوا معهم ولم يعصوا ربهم، وسور على العصاة الذين يصطادون يوم السبت.
ومع مضي الوقت والله يُمهل الناس في ذنوبهم ومعاصيهم حتى أن ضعيف الإيمان يتّبين وقوي الإيمان يثبت ويظهر، وذات يوم خرج الدعاة الصالحين من حصنهم يوم الفجر لعملهم وأشغالهم وزرعهم ولم يشاهدوا أحدًا يخرج من الحصن الثاني، فتعجبوا وسألوا أنفسهم لماذا لم يأتوا بعد، فمر الوقت ساعة وساعتين ولم يخرج أحد بعد، فقال أحدهم: اطرق الباب عليهم لعلهم نيام حتى يستيقظوا، فطرق الباب ولم يفتح أحد، فقال أحدهم للآخر: تسلق أنت السور وادخل عليهم ليفتحوا الباب وعندما دخل عليهم وإذ حصنهم كلهم مليء بالقردة ولم يكن منهم إنسيّ واحد.
فقال تعالى: “وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ- فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ” البقرة:65- 66. أي لعنة أحلت بهم ونزلت عليهم فقد مسخهم الله إلى قردة خاسئة. فيأتوا عليهم أقربائهم ويقولوا لهم ألم ننهاكم عن هذا ألم ننصحكم أن لا تعصوا الله، فيهزون برؤوسهم وهم يعلمون أن لعنة الله قد نزلت عليهم.