اقرأ في هذا المقال
قصة الذكي نعيم بن مسعود رضي الله عنه:
لقد انتهت قصة الأحزاب وبنو قريظة في التعبير القرآني، وجاء وقت بيانها فالقصة كان لها بطولات متعددة وكان هناك بعض الأشخاص الذين أظهروا بطولاتهم وكل واحد كان له دور مختلف عن الآخر.
إن اليهود كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: سيأتي علينا زمان فيه نبيّ نتبعه ونقتلكم به كقتل عاد وإرم، ولكن غيروا ما قالوا وصار يقولون: بأن الكفار هم أهدى من المؤمنين سبيلًا، لذلك كشفهم الله تعالى جميعهم حينما قال: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا” النساء:51.
وقد حدث في المعركة بطولات جعلها الله تعالى سببًا لانتصار المؤمنين وهزيمة المشركين، وكان الانتصار لأول شخص وهو ليس من العرب وهو سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي أمضى حياته في البحث عن حقيقة الدين الإسلامي لحين التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام وآمن به واتبعه والبطل الثاني لنعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه.
دور نعيم بن مسعود الأشجعي بين الأحزاب وبنو قريظة:
نعيم بن مسعود الأشجعي الذي أتى للنبي عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله، لقد أسلمت ولا يعلم بإسلامي أي أحد من قومي، فمرني بما أردت، فأجابه عليه الصلاة والسلام: “إنما أنت فينا رجلٌ واحد فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة”.
فانطلق نعيم بن مسعود حتى جاء بني قريظة وقال لهم: يا معشر قريظة وكان لهم نديمًا في الجاهلية إني لكم نديم وصديق هل عرفتم هذا، فقالوا: صدقت، فقال: تعلمون والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمكانة واحدة، فالبلد هي بلدكم ويوجد فيها أموالكم وزوجاتكم وأبناؤكم، وإن قريشًا وغطفان قد آتوا لمحاربة محمد وأصحابه وإنكم ظاهرتموهم عليه أنتم وبلادهم ونساؤهم بغيره، وأنهم ليسوا مثلكم.
إنهم إذا رأوا فرصة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل؛ وليس عندكم طاقة به وإذا هم أرادوا فعل ذلك فلا تقاتلوهم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم تستوثقون به، ثم ذهب إلى قريش، وجاء أبي سفيان وأشراف قريش، فقال: يا معشر قريش لقد عرفتم عن ودّي لكم، وفراق محمد ودينه، وأنا الآن آتيكم بنصيحة، فاخفوا عليّ، فردوا عليه وقالوا: نفعل، ما أنت عندنا بمتهم.
فقال نعيم بن مسعود: هل تعلمون أن بني قريظة أنهم من يهود قد أصابهم الندم على ما فعلوا بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام، فأرسلوا إليه ألّا يرضيك عنا أن نأخذ لك من القوم رهنًا من أشرافهم، وندفعهم إليه فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم، فبعث إليهم أي نعم، فقد بعثت إليكم يهود يبحثون رهنًا من رجالكم فلا تعطوهم رجلًا واحدًا وعليكم أن تحذروهم.
ثم بعدها جاء غطفان، وقال: أيّها القوم لقد علمتم أني رجل منكم، فقالوا له: صدقت، فقال لهم كما قال هذا لحي من قريش، فعندما أصبح أبو سفيان كان يوم السبت من شوال سنة خمس وكان مما صنع الله به للنبيّ عليه الصلاة والسلام، أرسل إليهم أبو سفيان بن حرب عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش إن أبا سفيان يقول لكم: يا معشر اليهود، إن الكراع والخف قد هلكا وإنا لسنا بدار مقام، فأخرجوا إلى محمد لكي نناجزه.
فبعثوا إليه وقالوا له: إن اليوم هو السبت وهو يوم لا نصنع فيه شيئًا ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهطًا من رجالكم نستوثق به لا تذهبوا وتتركونا حتى نناجز محمدًا، فقال أبو سفيان:”والله قد حذرنا هذا نعيم، فبعث إليهم أبو سفيان إنا لا نعطيكم رجلًا واحدًا، فإن شئتم أن تخرجوا لتقاتلوا وإذا شئتم فاقعدوا”.
فقالت اليهود: هذا والله ما قاله نعيم بن مسعود، فوالله ما أراد القوم ألا يقاتلوا معهم، فإذا أصابوا فرصة وإلا اغتنموها وإلا مضوا وذهبوا لبلادهم وخلوا بيننا وبين الرجل، فبعثوا إليهم، فإنا والله لا نقاتل حتى تعطونا رهنًا فأصرّ أن يفعل.
وعندما وجد النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لا حركة ولا خبر وأنه عمّ الهدوء في معسكر المشركين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: “ألا رجلٌ يأتي بخبر القوم ويكون معي يوم القيامة” فصمت الصحابة ولم يردّ عليه أحد، وأعاد ذلك مرةً أخرى ومرة ثالثة، ولما لم يجبه أحد قال عليه الصلاة والسلام: “يا حذيفة قم فأتنا بخبر القوم ولا تفزعهم عليّ” أخرجه مسلم.