اقرأ في هذا المقال
يقول الله تعالى في كتابه العزيز عن المنافقين: “وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ” البقرة:14. فدليل هذه الآية أن الذاتية ضائعة؛ وذلك لأن الإنسان لا يخسر ذاته عندما تكون صفاته منسجمة، ولا يوجد صفة تعارض صفة أخرى ويكون عمله متوازنًا، لكن الشخص الذي تتعاند صفاته محصور دائمًا في حيرة من أمره والقلق يسكن نفسه ومن هذه العبرة سنذكر دليل من واقع حياة الصحابة على هذا الأمر وهي قصة أبو بكر الصديق مع عمر بن الخطاب أثناء حرب الردة.
قصة أبو بكر الصديق مع الفاروق أيام الردة
كان أبو بكر الصديق يشتهر بأنه كثير البكاء من شدة خوفه وخشيته من ربه، وأن قلبه مليء بالرحمة على المؤمنين، ولكن حينما جاءت حرب الردة لمانعي الزكاة تغير الأمر.
لقد جاء أبو بكر الصديق إلى عمر بن الخطاب وجلسا يتشاوران بشأن حرب الردة، فكان رأي عمر بن الخطاب أن لا يقاتلوا من ارتدوا بإنكارهم ومنعهم الزكاة؛ وذلك لأنهم قالوا: لا إله إلا الله، فقال أبو بكر: “والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فالزكاة هي حق للمال فوالله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى النبي عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم على منعه”.
فهذا هو أبو بكر الذي وصف بأنه كثير البكاء من خشية الله تعالى والذي قلبه مليء بالرحمة للمؤمنين، فإنه يعلن بشكل قوي وشديد أنه سوف يقوم بقتال الخارجين على حدود الله والمانعين المنكرين للزكاة، فلو صدر هذا الكلام من عمر لقال الناس: هذه شِدة ألفناها عن عمر، لكن أن تخرج كل هذه الرحمة من هذا الرجل الطيب المتربي على اللين والرقة، فهذا الأمر يدلنا على شِدة المؤمن في مواجهة الكفر.
فالمؤمن هو شخص غير مطبوع على الشِدة المُطلقة ولا على الرحمة المُطلقة، بل أنه شديد حينما تكون الشِدة متعلقة بالدين وأنه رحيم عندما تكون الرحمة متعلقة بالدين وعزيز حينما تكون العزة للدين الإسلامي ويكون ذليل حين تكون الذلة للدين. فقول الله تعالى: “إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ” الأنفال:49.
الفكرة من قصة أبو بكر الصديق مع الفاروق أيام الردة
يقول تعالى أيضًا: “إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ” ودليل هذه الآية بأن المؤمن عندما ينتصر نجدهم بأنهم يزدادوا قوة وإيمان وثقة بأنفسهم وتملأهم عزة الإيمان، فيتطلع إليهم المنافقون بحسد وحقد؛ لأنهم يكرهون المؤمنين ولا يحبون الخير لهم ويعتبرون كفارًا في نفاقهم وقلوبهم مليئة بالغل ويقولون لبعضهم البعض: أصاب هؤلاء الغرور بدينهم. ولكن ما حدث مع المؤمنين ليس غرورًا؛ لأن معنى الغرور بأن تغار بخصلة فيك تجعل الإنسان ناجحًا في حياته عن غيره.
فالمؤمن عند ساعة نصره لا يغتر بنفسه لكنه يعتز بقوة الله ويزداد تواضع له، ويشغل نفسه بشكره لله تعالى على ما أنجزه من نصر، أما المغرور فهو الذي يفصل النعمة عن المنعم وينسبها لذاته. أما المؤمنين فإنهم ينسبون جميع الأمور والأفعال لله؛ لأنهم يعلمون بأن النعمة هي عطاءٌ آتٍ من يد الله تعالى المليئة بالنعم التي لا تعد ولا تحصى. وما دامت النعمة لم تصرف الإنسان عن الله، فالله تعالى يزيده منها؛ لأنه مأمون على النعمة وينسبها لصاحبها، أما المتعالى فإنه يستعلي بأي ميزة يتميز بها عكس المؤمن الذي لا يستعلي أبدًا بها.