ما هي قصة توبة داود عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة داود عليه السلام:

داود عليه السلام: وهو من نسل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقد تميز بشاعتهِ من أن كان صغيراً، وشارك مع المؤمنين في جيش الملك طالوت، ومنّ الله تعالى عليه بأن قتلَ جالوت، وكان هدفاً رئيسياً في خسارة جيش العماليق وضاءهِ على سُلطانهم ببيت المقدس، وقام بإعادة الوطن المفقود للإسرائيلين، لقد أحب الإسرائيليون النبي داود، وعينوا طالوت مستشارً له، فلم يكن يحكم بأي أمر بدون استشارته، أيضاً وزوجهُ ابنته، بالرغم من أنه ليس إسرائيلياً، وصارَ يُعينهُ في كل أمرٍ يقوم به.

قال تعالى في وصف داود: “وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ – إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ – إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ – قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ – فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ” ص: 21 – 25.

حينما ذكر الله عزّ وجل بأنه آتى النبي داود عليه السلام معجزة الفصل في الخِطاب فيما بين الناس، وكان الله تعالى مقصوداً في ذلك الأمر، ذكر أيضاً أمرَ خصمينِ اختصما عندهُ في أمرٍ جعلهما فتنةً لداود عليه السلام، وفي موعِظةٍ لذنبٍ اقترفهُ، فتابَ عليه الله وغفرَ لهُ، وقام بحلّ هذه القضيةِ له، فقال لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: “وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ” أي أنّه نبأٌ عجيب. ومعنى تسوروا عليه المِحرابِ أي جاءوا على مكان عبادتهِ من دون إذن، ولم يدخلوا عليه الباب، وبسبب دخولهم عليه بهذه الطريقة فقد خاف وفرع منهم، وقالوا له: أنهم خصمانِ، وأنّه لا يتوجب عليه الخوف، فقد جئناك لأنّه بغى بعضنا على بعض بالظُلم، واحكم بيننا بالحق، ولا تميلُ مع أي أحدٍ منا.

والمعروف من هذا الذي حدث هو أن الخصمين، قد تبين أن قصدهما إظهار الحق الواضح، وإن حصل ذلك فإنهما سيرويانِ عليه نبأهم بالحق، فلم يتضايق النبي داود من وعظهما له ولم يحاسبهما. فقال تعالى: “إنّ هذا أخي لهُ تسعٌ وتسعونَ نعجةً وليّ نعجةً واحدة، فقال أكفلنيها وعِزني في الخطاب”.

وخُلاصةُ هذه قصة داود عليه السلام أنهُ كان يعبدُ الله تعالى في مِحرابه، وأنّهُ دخل عليه رجلانِ في غيرٍ وقت الحكم، وطلبا منه أنّ يحكم فيما بينهما من خصومةٍ، وقال أحدهما: إنّ هذا أخي له تسعٍ وتسعون نعجة وليّ نعجةٌ واحدة، وأراد أنّ يضمها مع نعاجه ولكن غلبني في الحديث.

فقام داود عليه السلام بالإسراعِ في الحُكم دون أن من الرجل الآخر، وقال عليه الصلاة والسلام: “إذا جلسَ إليك الخصمانِ فلا تقضِ لأحدهما حتى تسمع من الآخر كما استمعت إلى الشخص الأول” المستدرك في الصحيحين.

وبعد ما حكم داود بهذا الحكم، وأيقنّ داود عليه السلام بأنه فتنهُ في هذا الخصم، فاستغفر ربهُ فخراً وسجدَ لله تعالى تائباً إليه، في قوله تعالى: “وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ” فغفر ربه له ذلك، وجعلهُ من المُقربين عِنده، وأعدّ لهُ حُسن المصير في الآخرة، فقال تعالى: “فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ”.

وهذه هي الخطأ الذي صَدر من النبي داود عليه السلام، ولم يذكرهُ الله تعالى لعدم الحاجة له ولذكره، فالتعرضُ له جاء من باب التكلف، ولكن الهدف من هذه القصة هي لطف الله تعالى وتوبتهُ على عبادهِ وإنابته لهم، وأن مكانة داود ارتفعت عند الله تعالى، وصار بعد التوبة أفضلُ منهُ قبلها.

فقال ابن كثبر  في ذكر دلالة هذه الآية: “وإنّ لهُ عِندنا لزُلفى وحُسن مآب” فوعدهُ الله تعالى يوم القيامة بأنّه سيكون من المقربين إليه وأنّ له حُسن المرجع، بمعنى الدرجاتِ العُليا في الجنة، جراء توبتهُ وعدلهُ التام في مُلكه.

وقال القرطبي أيضاً في قوله تعالى: “وخرّ راكعاً وأنّاب” المقصود هنا أنهُ سجدَ لربهِ بمعنى الخضوع لربهِ مُعترفاً بخطئهِ وذنبهِ، وتائباً من خطيئتهِ، فإذا سجدَ أحدٌ فيها فعليهِ أن يسجد بنيةٍ خالصة، لعلّ الله يغفر ذنوبه. وسواء قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ فإنّ هذا أمر مشروع في كلِ أمةٍ واحدة.


شارك المقالة: