ما هي معجزة إبراهيم عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


معجزة إبراهيم عليه السلام:

المعجزة: هي عبارة عن أمرٍ خارق للعادةِ مقرونٌ بالتحدي، سالم عن المعارض، أي بمعنى تأييد الله عزّ وجل لمن ادعى النبوة بأمر ما سواء قول أو فعل أو ترك، ويكون مُخالف للعادة، موافق لدعوى مقرونٌ بالتحدي.
لقد أيد الله خليلهُ عليه السلام بآية رآها قومه، وهي إلقاؤه في النار، وما كان هذا إلا ابتلاء له عليه السلام، وذلك؛ لأنه حطّم الأصنام التي كان يعبدها قومه، فأشعلوا له ناراً ورموه فيها، فأمر الله النار ألا تصيبه بأذى، قال تعالى: “قالوا حرّقوهُ وانصرُوا آلهتكم إنّ كُنتم فاعلين- قُلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم- وأرادوا به كيدا فجعلناهُم الأخسرين” الأنبيا:68-70. وقد وردت قصة محاولة إحراق إبراهيم عليه السلام في القرآن مجملة، ولم تبين السنة النبوية تفاصيل الحرق، وقد ورد فيها من الاسرائيليات الكثير.
ذكر ابن كثير في تفسيره لمعنى الآية: “حرقوه وانصروا آلهتكم” فقال: لما دحضت حجتهم، وبان عجزهم وظهر الحق واندفع الباطل، عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم، فقالوا: “حرقوهُ وانصرُوا ءالهتكم إن كُنتم فاعلين” فجمعوا حطباً كثيراً جداً، قال السدي: حتى إن كانت المرأة المرأة تمرض فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطباً لحريق إبراهيم، ثم جعلوه في جوبه، من الأرض، وأضرموها ناراً، فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع لم توقد نار مثلها قط، وجعلوا إبراهيم عليه السلام في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد. اسمه هيزن، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، فلما ألقوه قال: حسبي الله ونعم الوكيل كما رواه البخاري عن ابن عباس: “عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ قالوا: “إنَّ النَّاسَ قدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا، وقالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ” آل عمران:173. وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما من الله فبلى، وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أحد يومئذ بنار، ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه.
لقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتل الوزغ، وهو الحيوان الوحيد الذي لم يطفئ النار عن إبراهيم عليه، بينما كل الدواب سعت لإطفاء النار عنه عليه السلام، وقد ورد هذا في السنة النبوية من حديث أم شريك رضي الله عنها “أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بقتلِ الوزع وقال كان ينفخُ على إبراهيم عليه السلام” صحيح البخاري.
لقد ظهر من معجزة إبراهيم عليه السلام دروسياً يتعلمها الدعاة إلى الله، ومنها الثبات على الحق عند اصطدام الإيمان بالكفر، ولا شك أن الاصطدام حاصل في كل عصر من العصور، وإن كان يختلف شكله وصورته، وفي لجوء إبراهيم عليه السلام لربه، بيان أهمية لجوء الداعية في حال قوة ظُلم الطاغية إلى الله سبحانه ليعتز به، وكان عليه السلام مثالاً رائعاً في لجوئه إلى الله حين أتاهُ جبريل فرد عليه أما لك فلا وأما لله فبلى.
وظهرت في هذه المعجزة قدرة الله الباهرة بأن غيّر حال النار وأسلبها صفتها وهي الإحراق، وجعلها لا تحرق إلّا بإذنه سبحانه، وما كان هذا إلا من عظيم وجليل قدرته سبحانه كرامة لعباده وخاصة أنبياءهُ عليه السلام، وفي هذا بيانُ مقاييس البشر محدودة ومقصورة، بينما الله ترجع إلى كُونِي برداً وسلاماً، وكوني نشأت بها أكوان، وخلق بها عوالم.
ويُذكر البعض أن من معجزات التي حصلت مع إبراهيم عليه السلام، كيفية إحياء الموتى بين يديهِ عليه السلام، حين طلب من الله أن يُريه كيف يُحيي الموتى، فأمرهُ الله جلّ وعلا أن يذبح أربعةِ طيور ويقطعها ويُفرقها على جبالٍ عدة، ويدعوها بعد ذلك، فبإذن من الله تستجيب، وفعلاً التحمت وعادت كما كانت من قبل، ودبت فيها الحياة وعاد تسرحُ في الفضاء، وقد أخبرنا الله ذلك في كتابه: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” البقرة:260.
فقد تعلمنا مما سبق بأن معجزة النبي إبراهيم عليه السلام لذاته، بينما معجزة النار هي معجزة ً لقومه؛ وذلك لإقامة الحجة عليهم وبيان الباطل الذي هم عليه، كون معجزة النار مقرونةً بالتحدي، ومثبتة لصدقِ النبي عليه السلام. فقال تعالى في كتابه الكريم: “أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” التوبة:70.

المصدر: كتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء، للحافظ ابن كثير.كتاب أصول الإيمان في قصة إبراهيم عليه السلام، إعداد فوزية محمود عبد الرحمن الملفوح.كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث


شارك المقالة: