ما هي قصة توبة طالوت؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة طالوت:

قال الله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ”البقرة: 246.

لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بني إسرائيل أن الله تعالى أنهُ بُعث إليهم طالوت ملكًا عليهم، وقيل بأن طالوت كان عبارة عن شخصاً فقير الحال وسقاءً ولم يعرفوهُ بينهم، وقيل أيضاً إنهم لم يتعرفوا عليه للمرة الأولى وأخذوا يفكرون من يكون هذا طالوت، وحينما نظروا إليه وتعرفوا عليه احتقروه وأنكروا أن يكون ملِكًا عليهم؛ لأنه ليس من وجهائهم ومقامهم، بالإضافة أيضاً إلى أنه كان فقير الحالِ ولم يكن  عنده مال بالرغم من أهمية تلك الاعتبارات التي ذكروها؛ فالجاه والنقود هي التي تُعينُ الحاكم على تحمله أمور منصبه وتيسير قيادته ومواجهة الأزمات، لما له من علاقات وخبرة ووفرة مادية.

ولكن الله عزّ وجل بدوره أخبرهم بأنّ هناك اعتبارات أخرى تتفوق على هذه المسائل، وأهمها هي اصطفاء الله له، وهذا أمر معلومٌ بالنسبة لقومٍ يأتيهم خبر السماء وبينهم نبيٌ يبلغ رسالة ربه إليهم، ويتوجب أن يكون هذا الاصطفاء حاسمًا في استجابتهم، لولا أنهم جبلوا على الجدل والمراوغة والعناد، إضافةً إلى الاصطفاء الإلهي.

وقد منح الله تعالى طالوت أيضاً العلم والقوة الَّذيْن منحهما الله تعالى لطالوت، فكان طالوت لديه ميزةً تزيد عن قومه في العلم والقوة، خاصَّة أنهم كانوا يطلبون ملكًا يقاتلون معه ضد أعدائهم، وعلم الملك وقوته هما أمرانِ مُهمان لتحقيق الغاية من وجوده في موقع القيادة، حتى يحسن التخطيط للحرب، ويستطيع الصمود والمواجهة بقوته الجسمانية أمام خصومٍ أشدَّاء، فيثبت الجنود بثباته ويزيدون حماسة بصموده وفتوَّته، وفوق ذلك كله، أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام بحقيقة خالدة، وهي أنَّ الله تعالى يؤتي ملكه لمن يشاء وينزعهُ ممن يشاء؛ فالكون كله هو مُلكٌ لله وحده، والأمر أمره والتدبير تدبيرهُ، فلا يستطيعُ أحد أنّ ينازع الله في ملكه أيّ أحدٍ كان.

فقال تعالى: “وَقَال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” البقرة: 247.

ووضحَ لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله تعال قد جعل لمُلكه ميزةً واضحةً، وهي استرجاع التابوت والآثار التي كانت بحوزتهم من لدن موسى عليه السلام؛ حتى يكون في ذلك مزيد تصديق وإقناع لهم لملكه عليهم، فحملت الملائكة التابوت وما ترك آل موسى وآل هارون إليهم، بعد أن أُخِذَتْ منهم؛ قال تعالى: “وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” البقرة: 248.

لقد روى عن وهب بن منبه أن داود عليه السلام عندما قتل جالوت ذهب طالوت ببني إسرائيل مُظفراً، وقام بتزويج ابنتهِ من داود عليه السلام، وقاسمه نصف ملكه وتجمع بنو إسرائيل وقالوا: نتخلصُ من طالوت ونولي علينا داود؛ لأنه من آل يهوذا وهو الذي يستحقُ المُلك أكثر من غيره، وحينما شعرَ طالوت بهذا الأمر فارتعب خوفاً على مُلكه، وأراد أن  يُخطط  من أجل يقتل داود.

وعندما نوى قتلهُ، نصحهُ بعض وزرائه إنك لا تقدر على قتله إلا بمساعدة ابنتك، فدخل طالوت على ابنته فقال لها: يا ابنتي، أريدُ منكِ أمراً وعليك أن تساعديني فيه، قالت وما هو: قال أريد أن أقتل داود فإنّه قد فرق علي الناس فقالت: يا أبت إن داود له مجموعةٌ شديد الغضب، وإنّني لا أمنّ عليك إن لم تستطع قتله وأن يحولَ بك ويقتلك، فإذا لقيت الله قاتلا لنفسك مستحلاً لداود. وإنّي لأعجبُ منك وممّا أعرف من حِلمك وسداد رأيك كيف أعطيك إلى هذا الرأي القصير وتلك الحيلة الضعيفة بالتقدم إلى داود وأنت تعلمُ أنه أشدّ أهل الأرض نفسا، وأبسلهم عند الموت، فقال طالوت: إني لا أسمع قول مفتونة بزوجٍ قد منعها حبها إياه أن تقبل من أبيها وتناصحه عليّ واعلمي أنّي لم أدعك إلى ما دعوتك إليه إلا وقد وطنت نفسي على قطع صهره إما أن أقتلك وإما أن تقتليه حتى قالت: فأمهلني حتى إذا وجدت فرصة أعلمتك.

لقد روي عن الضحاك عن ابن عباس أنّها انطلقت فأخذت زقاً ثم ملأته خمراً ثم طيبته بالمسك والعنبر وجميع أنواع الطيب ثم أضجعت الزق على سرير داود، ولّحفتهُ بلحاف داود، وأخبرت داود بذلك وأدخلته المخدع، وأعلمت طالوت، وقالت: هلم إلى داود فاقتله، وما أنّ جاء حتى دخل البيت ومعه السيف ثم قالت: هو ذاك شأنك وشأنه، فقام ووضع السيف على قلبه ثم اتكأ عليه حتى أنفذه، فانتضح الخمر ونفح منه ريح المسك والطيب، قال: يا داود ما أطيبك ميتا، وكنت وأنت حيٌّ أطيب منك ميتا، وكنت طاهراً نقيا وندم فبكى وأخذ السيف فأهوى به إلى نفسه ليقتلها فاحتضنته ابنته وقالت: يا أبتِ مالك قد ظفرت بعدوك وقتلته وأراحك الله منه وترك لك الملك، قال: يا ابنتي قد علمت أن الحسد والغيرة حملاني على قتله وأصبحتُ من أهل النار وإن بني إسرائيل لا يرضون بذلك، فأنا قاتل نفسي، قالت: يا أبت أفكان يسرك أن لم تكن قتلته، قال: نعم، قال: فأخرجت داود من البيت، فقالت: يا أبت إنك لم تقتله وهذا داود، قال: وندم طالوت.

روي عن مكحول قال: أن أغلبية أهل الكتاب ادعوا أن طالوت قام بطلب التوبة من الله تعالى وظلّ يلتمسُ التنصل من ذنوبه، وأنه أتى عجوزاً من عجائز بني إسرائيل، كانت تُحسن لاسم الذي به يدعى الله فيجيب، فقال لها: إني قد قمت بفعلِ خطيئة لا يُخبرني عن كفارتها سِوى اليسع، فهلا أخذتيني إلى قبرهِ، وتدعين الله عز وجل لكي يبعثه من أجل أن أسأله عن خطيئتي ما كفارتها، قالت: نعم فانطلقا حتى أتيا قبره، قال: اتجهت إلى ربها وصلت ركعتين، ثم بعد ذلك دعت الله تعالى فخرج إليه اليسع، فقال: يا طالوت، ما هي خطيئتك أن أخرجتني من مضجعي الذي أنا فيه، قال: يا نبي الله ضاق علي أمري، فلم يكن لي بد من ما سألتك عنه، قال: إنّ كفارة ما فعلت من ذنبٍ هي المجاهدة بنقسك وأيضاً بأهلِ بيتك، لكي لا يبقى منكم أيّ أحدٍ، ثم عاد اليسع إلى مضجعه وفعل ذلك طالوت حتى قُتل هو وأهل بيتهِ.


شارك المقالة: