تعريف التوبة:
التوبة: هي العودةُ عن الذنب، وأن يتوب إلى الله توبةً خالصةً لوجهِ الكريم، وأنّ يرجع المُذنبُ عن فعل المعاصي، إلى الطاعة. أما التوبةُ في الاصطلاح الشرعي: هي الندم الشديد، الذي يُورثُ عزماً وقصداً، وعلى الشخص أن يعلم بأنّ الندم يكون حاجزاً بين الإنسانِ ومحبوبهِ، وهذا يتفق مع حديث النبي عليه الصلاة والسلام: “الندم توبة” رواه ابن ماجه. والندم يولدُ عند المسلم الإصرار والعزيمة من أجلِ الابتعاد عن المعصية. وقصتنا في هذا المقال، هي قصة توبة لُبابة رضي الله عنها.
قصة توبة أبي لبابة رضي الله عنه؟
قال الزهري: إنّ أبو لُبابة هو من الأشخاص الذي تخلفَ عن رسول صلّى الله عليه وسلم بغزوةِ تبوك، فقام وربط على خصرهِ بساريةِ، ثم قال: والله لن تخرجَ نفسي منها، ولن أقترب من الأكلِ أو الشُرب حتى أنتقلُ إلى رحمة ربي أو يتوب عليّ الله.
فبقيّ على حاله لمدةِ سبعةِ أيام لا يتناولُ أكلاً ولا شُرباً، حتى وقعَ مغشياً عليه، وبعد ذلك تاب اللهُ عليه، فقالوا لهُ، إنّ الله تابَ عليك، فقال: والله لن تحلّ نفسي حتى يكونُ النبيّ محمد عليه الصلاة والسلام، فقال إذن والله لا أحلُ نفسي حتى يكونُ النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يَحلّني بيدهِ. وقيل: أنّ النبي عليه الصلاة والسلام أتى عليهِ وفكهُ بيدهِ.
وبعدها قال أبو لبابة؟ يا نبيّ الله، إنّ من شروطِ توبتي بأنّ أبتعد عن قومي التي صنعتُ فيها الذنب، وأن أقتطعَ من مالي زكاةً لوجهِ الله ولرسولهِ الكريم، قال: “يُجزئك الثلثُ، يا أبا لُبابة”.
لقد حدثَ ربيعة ابن الحارث عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن السائب بن أبي لًبابة عن أبيه، قال: لما أرسلتُ قريظة إلى رسول الله علية يسألونهُ أن يبعثني إليهم في وقتٍ اشتدّ عليهم الحصر، أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: اذهب إلى حُلفائك، فإنّهم بُعثوا إليك من بين الأوس، قال فدخلتُ عليهم وقد اشتدّ عليهم الحِصار.
فهشوا إليهِ وقالوا: يا أبا لُبابة! إنّنا نحنُ أعوانك دون الناس، فقام كعب بنُ أسد، وقال: يا أبا بشير لقد علمتُ ما فعلنا في أمركَ وأمور قومك يوم الحدائق ويوم بُعاث وكلّ حربٍ أنتم فيها. فقال: إنّي دخلتُ عليهم والحصار شديدُ عليهم، فنظروا إليّ وقالوا: يا أبا لُبابة، نحنُ أحقُ بك من غيرك، فنهض كعبُ بن أسد وقال: لقد علمتُ ما فعلنا في أمرِك وأمورِ قومك يوم الحدائق ويوم بُعاث وجميع الحروب التي كنتم فيها، والحِصار اشتدَّ علينا، وهَلكنا وأرهقنا، ولكن محمد يُصرّ على أن يبتعد عن حصننا، حتى نُطيع حُكمه، فإن رحلَ عنا، للحقنا بأرض الشام، أو خيبر ولم نُكثر عليه جمعاً أبداً.
فما رأيك إن اخترناك عن غيرك إذا محمدٌ أبى إلّا أن نُطيع حُكمه. فقال: نعم، فانزلوا، واقترب من حلقه، وهو الذبح، قال: فندمتُ وعاودتُ نفسي ورجعت، فقال كعب: ما بِك يا أبا لبابة؟ قلت، لقد راوغتني نفسي وخُنت الله ورسوله، فنزلتُ وإذا بلحيّتي مُبتلةُ من شدة البكاء والجميعُ ينتظرونَ رجوعي إليهم، وأخذتُ من وراء الحِصنِ طريقاً آخر، حتى وصلتُ المسجد فارتبطت.
وبعد ذلك بلغ النبي عليه الصلاة والسلام ذهابي وما فعلتُ، فقال: اتركوهُ حتى يفعل الله بهِ ما يُريد، فلو أتاني استغفرتُ له، وإنّ لم يأتِ ويعود إليّ وذهب فاتركوه.
وقال البعض: أنهُ مُعمر عن الزهري حدثهم، قال: وارتبط أبو لُبابة سبعاً في حرّ شديد لا يأكلُ ولا يشرب، وسأبقى هكذا حتى أفارق الدنيا، أو أن يتوب الله علي، قال: فلم يبقى هكذا حتى يسمع الصوت من الجُهد، ونبيّ الله تعالى ينظرُ إليهِ بكرةً وعشية، وبعدها تابَ ربهُ عليه، فناداهُ بأن الله تابَ عليك.
فأرسلَ النبي عليه الصلاة والسلام إليه لكي يُطلقَ عنهُ رِباطهُ، فأبى أن يُطلقهُ عنه أحدٌ غير رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال الزهر أيضاً: لقد حدثتني هندُ بنتُ الحارث عن أم سلمة زوجُ النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: رأيتُ رسول الله عليه الصلاة والسلام يحلُ رِباطهُ، وإنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام ليرفع صوتهُ يُكلمهُ ويُخبرهُ بنبوتهِ، وما يعلمُ كثيراً مما يقول له من الجُهدِ والضُعف، ولقد كانَ الرباط حزّ في ذراعهِ، وكان من شعر وكان يُداويهِ بعد ذلك دهراً.