قصة توبة موسى عليه السلام:
لقد ذُكر عن أبو إلياس عن وهب بن منبه، قال: عندما سَمع نبي الله موسى عليه السلام كلام ربه تعالى طَمع في النظر إليه، فقال تعالى: “وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي” الأعراف:143.
لقد حدثني بعض من لا أتهم قال: خاطب الله موسى وقال له: يا ابن عِمران، إنّهُ لا ينظرُ إليّ أحدٌ إلّا ويحيا، فقال موسى لربه: ربّ لا شريك لك، فإنّي أحب أن أراك وأموتُ أعزّ إليّ من أنّ لا أراك وأبقى حياً، ربّ أتمم عليّ نعمتك وفضلك وإحسانُك بهذا الذي أسألك، وأموتُ على أثرٍ ذلك.
لقد أخبرنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، قال: حينما رأى الله الرحيم بخلقهِ من حِرصِ موسى عليه السلام على أن يعطيهِ ما يطلب: قال: انطلق، وانظر إلى الحجر الموجود في رأس الجبل واجلس عليه، فإنّي سأُهبطُ عليك جندي، ففعل موسى مثلما أمر، فلمّا استوى عليه، عَرضَ الله عليهِ جُنود سبع سماوات، وأمر ملائكة السماء الدنيا أن يعرضوا عليه.
ومن هناك فقد مرّوا بموسى عليه السلام، وكان يصدرُ منهُ أصواتٌ عاليةً جداً من كُثرةِ التسبيح والتهليل والتقديس، تُشبهُ صوت الرعود، ثم أمرَ من بعد ذلك ملائكة السماء الثانية أن يُعرضوا عليه، ففعلوا ومروا بهِ على عدةِ ألوانٍ، ذاتُ وجوهٍ وأجنحةٍ مختلفة منهم ألوان الأسد، يرفعون أصواتهم من شدّة التسبيح، ففزعَ موسى منهم وقال: أي ربّ، لقد ندمتُ على ما فعلتُ، ربّ، هل أنت مُنجيَّ من مكاني الذي أنا فيه، فقال له كبير الملائكةِ: يا موسى، اصبر على ما سألت، فقليلٌ من كثير ما رأيت.
ومن بعد ذلك أمرَ الله ملائكة السماء الثالثة بأن يهبطوا واعترضوا على موسى، فأقبلَ ما لا يحصى عددهم على ألوانٍ شتى، فألوانهم تُشبهُ لهيب النار، وأنّ لهم بالتسبيح والتهليل زجل، واشتدّ فزعُ موسى عليه السلام، وساءَ ظنّهُ وصابهُ يئسٌ من الحياة، فقال له كبير الملائكة: يا ابن عِمران؟ اصبر لكي ترى ما لا تصبرُ عليه.
ومن بعد ذلك أوحى الله تعالى للملائكةِ في السماء الرابعة، بأن يهبطوا لموسى بالتسبيح، فهبطوا، وألوانهم مثلُ لهبٍ النار وباقي خلقهم مثل الثلج، لهم أصواتٍ مُرتفعةً بالتهليلِ والتسبيحِ والتقديس وأصواتهم لا تُشابهُ أصواتَ الذين مرّوا به أبداً، فقال له كبير الملائكة: يا موسى اصبر على ما سألت.
ومثلُ ذلك أهلُ كلّ سماء إلى السماء السابعة ينزلونَ إليه بألوانٍ مغايرة وأبدانٍ مختلفة، وجاءت ملائكةٌ يخطفُ نورهم الأبصار، ومعهم حراب الحربة مثلُ النخلة الطويلة العملاقة، تُشبهُ ناراً وأشدُ ضوءاً من الشمس، والنبي موسى عليه السلام يبكي بكاءً شديداً ورافعاً يديهِ يقول: يا ربّ اذكرني ولا تنساني فأنا عبدك، وما أظنُ أن أنجو ممّاً أنا فيه، فإذا خرجتُ حُرقتُ، وإذا بقيتُ متُّ، فقال له زعيم الملائكة: لقد لقد أوشكتَ أن تفيضَ خوفاً وينخلع قلبك، وهذا الذي جلست لتنظر إليه.
ولقد قيل أيضاً: أنّ جبريل واسرافيل وميكائيل وجميع من في السموات السبع، وحملة العرش والكرسي أيضاً أقبلوا عليه ويقولون: يا خاطئ يا ابن الخاطئ، ما الذي رفعك ورقاك إلى هذه الدرجة، وكيف تجرأت وسألت ربك لكي تنظر إليه، وشعور موسى عليه السلام يبكي وركبتاه مصكوكتانِ أي بمعنى “مضمومتانِ لبعضهما البعض” حتى تخلعت مفاصلهُ، وحينما رأى الله ذلك الفعلُ من عبدهِ، فأرآهُ قائمة عرشهِ، فتشبثَ قلبهُ بها واطمأن، فقال اسرافيل لموسى: يا موسى، والله إنا لكبراء الملائكةِ وأعظمهم لم ترفعُ أبصارنا باتجاه العرش مُنذ أن خُلقنا خوفاً وفرقاً، فما الذي حملك أيّها العبدُ الضعيف على ذلك الأمر: قال موسى: يا إسرافيل، وكان مطمئن، فقد أحببتُ أنّ أعرف من عظمةِ ربي ما عرفتُ. فأوحى الله تعالى للسماوات إنّي متجلٍ للجبل، وعادت إلى حقيقتها كلّ من السماوات والأرض والقمر والنجوم والملائكة والنار وغيرها، وخرّوا كلهم سُجداً، وموسى يُناظر الجبل، فقال تعالى: “فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ” الأعراف:143. ميتاً من نور ربّ العزة، فوقع عن الحجر وانقلب عليه، فأصبح عليه كالقُبةِ لئلا يحترق.
وقال الحسن: إنّ الله تعالى بعث له جبريل عليه السلام، فقلب الحجر عن موسى وأزاحهُ، فقام موسى عليه السلام وقال: “سُبحَانَكَ تُبتُ إليك” الأعراف:143. وبعدها: “وأنّا أوّلُ المُؤمِنِينَ” بمعنى أنّه هو أول من آمن بأنّه لا أحد يرى الله في الدنيا.