ما هي قصة نبي الله سليمان عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


قصة نبي الله سليمان عليه السلام:

قال الله تعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ النمل :15. إنّ الله تعالى آتى داود وسليمان عليهما السلام العلم وهو منهجُ الدين، وعلّم سليمان منطقَ الطير، وألانَ لداود الحديد، وأتى سليمان مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدهِ، ورغم كلّ هذه النِعم لم يذكر الله إلا النعمة التي يجب أن يفرح بها المؤمن، وهي العلم، وانظروا إلى داود وسليمان حينما حمدَ الله على فضلهِ بالعلم حيث قالا: “الحمدُ للهِ الذي فضّلنَا على كَثيرٍ من عِبادهِ المُؤمنينَ”. أيّ أن هناك من الناسِ من هو أفضلُ منّا، وهذا تواضع الأنبياء والعلماء، وثم يقول الله تعالى: “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” النمل:16.
ومعنى كلمة “وورثَ” أي بقيت النبوةَ بعد أبيه منطق الطير وهي لغةُ التفاهم بينها؛ لأن لكلِ خلقِ من خلق الله لغةً يتفاهم بها، فقال تعالى: “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ” الأنعام:38. والعلماء يعكفون في العصر الحاضر على معرفةِ لغات الحيوانات، مثل: لغة النمل، والنحل والسمك. فجميع هذه الحيوانات تتفاهم فيما بينها تفاهماً غريزياً، وقال تعالى: “وورثَ سُليمان داود” فالأنبياء لا تورث، ولكنها ورثة في النبوة والدعوة إلى الله وتطبيق منهجه.
ومعنى: “عُلمنا منطق الطير” أي بأننا ببشريتنا لو لم يُعلمنا الله لما فهمنا منطق الطير كسائر الناس. فالناسُ لا يفهمون منطق الطير، مع أن الطيرَ له منطق، وعلماء اللغة يقولون: النطقُ خاصٌ بالإنسان، وأما في الطير والحيوانات الأخرى فيسمونه صوتاً، فهذا مواء القطةِ، ونباح الكلب، وخوار البقرة، ونقيق الضفادع وغيره.

تسخير الطير لسليمان عليه السلام:

قال تعالى: “وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ” الانبياء:81. لقد استفاد سليمان من تعليم الله لأبيه داود، فاخذ هذه النعمة، وزودهُ الله بنعمٍ أخرى خاصةً به، فأعطى له الريح العاصفة تسيرُ بأمرهِ وينتقل بها من مكانٍ إلى آخر في الأرض التي بارك الله فيها من صحراء فلسطين، حتى العراق، فكانت الريح تُمثل مواصلات داخليةً له في مملكتهِ، وفي آيةٍ أخرى قال تعالى: “فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ” ص:36.
فالريحُ هنا رخاءً ولينةً، وهناك الريحُ عاصفةً، فالريحُ العاصفةُ تعطي سرعةً، والريح اللينةُ تُعطي راحةً، فكأنها جُمعت بين السرعة في عاصفة وبين اللين والنعومة في رخاء، إذن جُمع له الحق سبحانه وتعالى، وبين ما يعطيهِ السرعة إلى مرادهِ، وبين ما يجعلها مريحةً ناعمةً هادئةً لا تؤثرُ في جسمه؛ لأن هذه السرعة قد تُصيب الجسم بأضرار، ومعنى باركنا فيها، أي أن فيها زروعٌ وثمار وخصبٌ ونماء، كما أن فيها النبوة وآثار النبوة، فتسخير الريح لسليمان في أنه يأمرها، أن تهب في الإتجاه الذي يُريدهُ، فهي لا تهبُ إلا على مراده، وهو بأمره هو، والريح مسخرةً له كمواصلات داخليةً وخارجيةً، فالداخلية هي التي تحملهُ داخل مملكته، أما الخارجية فتتمثل في قول الله تعالى: “وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ” سبأ:12.
فهذهِ الريحُ للرحلات الخارجية خارج مملكتهِ، فقال تعالى: “وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ” الأنبياء:81. أي عندنا العلم الكافي لترتيب الأمور وفقَ ما نشاء، بل ونجعلها تخرق القانون وتخالف طبيعتها، هذا بالنسبةِ لتسخير الريح، وهناك تسخير الشياطين أيضاً، فقال تعالى: “وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ” الأنبياء:82. فالغوص هو النزول إلى أعماق البحر، فالشياطين كانوا يغوصون في البحر؛ ليخرجوا له كنوزَ البحر ونفائسهِ ويعملون أعمالاً أخرى شاقةَ لا يستطيعُ الإنسان أن يؤديها، لذلك قال الله تعالى في آيةٍ أخرى: “يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” سبأ:13.
فهذه الآية الكريمة بينت في قول الله تعالى: “ويعملونَ عملاً دونَ ذلك” الأنبياء:82. فالعملُ في صناعة المحاريب والتماثيل والجفان أي القصعة التي يأكل الناس فيها وكلمه: كالجواب : تدل على أن هذه الجفان واسعة وكبيرة ، تتسع لإطعام عشرات الرجال، والقدور الراسيات هي القدر الضخمة التي لا يمكن نقلها من مكانها؛ لأنها قدر ضخمة تكفي لإطعام المئات من الناس.
وقوله تعالى :”وكنا لهم حافظين”؛ لان الناس دائماً يخافون من؛ الشياطين ويصيبهم الرعب منها ؛ لذلك أخفى الله هذه الشياطين بحيث إن الناس لا يرونهم وهم يعملون هذه الأعمال ولا يحسون بهم وقد بين القران الكريم أن الجن المسخرين لسليمان، كان هو وحده الذي يراهم ولا يراهم أحدٌ غيره، ولذلك يشعروا بموته وهو يجلس متكئاً على عصاهُ، وظلو يعملون بجد ظانين أنه يُراقبهم، فلما أكل السوس العصا، وانكسرت وسقط سليمان على الأرض علمت الجنُ بموتهِ، وهذا يدلُ على أن الجنّ لا يعلمون الغيب. فقال تعالى: “فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ” سيأ:14.

جنود سليمان عليه السلام:

يقول الله تعالى: “وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ” النمل:17. فما داموا حشروا فإن معنى ذلك أنهم جُمعوا من كل مكان. ومعنى قول الله تعالى”يُوزَعُونَ” أي بمعنى يمنعون، ويروى إنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. أي أن السلطان يمكنه أن يمنع الفساد بسلطته وقوته أكثر مما يمنعه الدعاة بخطبهم ومواعظهم؛ لأنهم يستبطئون عذاب الله وعقابه؛ لأنه آجل في الآخرة، ويخشون عقاب السلطان؛ لأنه عاجل في الدنيا ولذلك الأنبياء الملوك مثل داود وسليمان لم يعارضهم أحد؛ لأن السلطان والقوة كان في أيديهم.
إذن “يوزعون” هنا أي يمنع من يذهب منهم للقاء سليمان حتى يأتي الباقون، ويحضر المتخلفون، فلا يفوز أحدٍ بلقائهِ دون غيره حتى يحدث توازن بين الرعية، ولذلك كان من صفاته عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا جلس في مجلس توزعت نظراته وعيناهُ على كل الجالسين؛ حتى لا يعلم أحدٌ أنه ينظر لأحدٍ أكثر منه، فلا يتميز أحدٌ على أحد، حتى في نظرة النبي عليه الصلاة والسلام، كما كانَ لا يُقربُ منه إلا أهلَ الفضل، الذين يعلمُ أن تقربهُ لهم لا يُعطيهم بسط سلطةٍ على الناس، فكلمةُ “يُوزَعونَ” أي يمنعون، فيمتنع السابق أن يسبق حتى يأتي اللاحق؛ ليكونوا سواسية في الدخول على سليمان عليه السلام.
وفي آيةٍ أخرى يقول سليمان عليه السلام: “رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ” النمل:19. فهذا هو معنى “أوزعني” أي معناها امنعنى، فمعنى الآية إذن يكون: ربّ امنعني عن الغفلة عن نعمتك لأظلُ شاكراً لك.


شارك المقالة: