هذه القصة هي عن هلاك عاد قوم ثمود الذين كانوا يسكنون قرب الجزيرة العربية، فكذبوا رسولهم فأصابهم الله بالقحط والجدب ولكنهم أصروا على كفرهم، وظنوا أن بإمكانهم رفع البلاء الذي أحاط بهم إن هم أرسلوا وافدهم إلى الأرض المباركة ليدعو لهم بالسقيا وجهلوا أن المغيث هو الله وأن بإمكانهم أن يدعوه في المكان الذي هم فيه، وأن أعظم سبب يغاثون به هو الإيمان برسولهم المبعوث إليهم. فقد أساء هؤلاء عندما لم يعلموا كيف يُرفع البلاء، وأساءوا مرة أخرى بإسناد مهمة طلب السقيا إلى رجل لا يصلح لها، فماذا كانت النتيجة.
الدليل من السنة على قصة وافد عاد
لقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الحارث بن يزيد البكري قال: “خرجتُ أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلّم، فمررتُ بالربَذَةِ، فإذا عجوز من بنِي تميمٍ منقطع بها، فقالت: يا عبد الله، إن لي إلى رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجة، فهل أنت مُبلغي إليه؟ قال: فحملتُها فأتيتُ المدينةَ، فإذا المسجدُ غاص بأهلِه، وإذا راية سوداءُ تخفق، وإذا بلال متقلِّد سيفًا بين يدي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلت: ما شأنُ النَّاس؟ قالوا: يريدُ أن يبعثَ عمرَو بنَ العاصِ وجهًا. فقال: فجلست، قال: فدخل منزلَه أو قال: رحلَه فاستأذنتُ عليه، فأذِن لي، فدخلت وسلَّمت، قال: هل بينكم وبين تميمٍ شيءٌ ؟ قلت: نعم، وكانت لنا الدَّبرةُ عليهم، ومررتُ بعجوزٍ من بني تميمٍ منقطعٌ بها، فسألتني أن أحملَها إليك، وها هي بالباب.
فأذِن لها، فدخلت، فقلت: يا رسولَ اللهِ، إن رأيتَ أن تجعلَ بيننا وبين تميمٍ حاجزًا، فاجعلِ الدَّهْناءَ، فحَمِيتِ العجوزُ واستوفزت، فقالت: يا رسولَ اللهِ، فإلى أينَ يضطرُّ مُضطرُّك؟ قال: قلتُ: إنَّ مثلي ما قال الأوَّل: مِعزَى حمَلتْ حتفَها، حملتُ هذه ولا أشعرُ أنَّها كانت لي خصمًا، أعوذُ باللهِ وبرسولِه أن أكونَ كوافدِ عادٍ، قال لي: وما وافدُ عاد؟ وهو أعلمُ بالحديثِ منه، ولكنْ يستطعِمُه قلت: إنَّ عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يُقالُ له: قَيْلُ، فمرَّ بمعاويةَ بنِ بكرٍ، فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمرَ وتغنِّيه جاريتان، يُقالُ لهما: الجرادتان، فلمَّا مضَى الشَّهرُ خرج إلى جبالِ مهرةَ، فقال: اللهم إنَّك تعلم أنِّي لم أجِئْ إلى مريضٍ فأداويَه، ولا إلى أسيرٍ فأفاديَه.
اللَّهم اسقِ عادًا ما كنت تسقيه، فمرَّت به سحابات سود، فنُودي: منها اختر. فأومأ إلى سحابةٍ منها سوداء، فنُودي منها: خذًّا رمادًا رمدًا، لا تُبقي من عادٍ أحدًا، قال: فما بلغني أنَّه بعث عليهم من الرِّيح إلَّا قدر ما يجري في خاتمي هذا، حتَّى هلكوا قال أبو وائل: وصدق، قال: وكانت المرأةُ والرَّجلُ إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا : لا تكنْ كوافدِ عادٍ” رواه أحمد.
شرح حديث قصة وافد عاد
يدعى أن صحابي يسمى الحارث بن يزيد وقيل أنه الحارث بن حسان، بعثه قومه ربيعة وافد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام شاكيًا إلى العلاء بن الحضرمي، ومر في طريقه بالربذة وهي مدينة قريبة من مدينة بالقرب من مدينة رسول الله، فالتقى هناك عجوزًا انقطعت بها السبل تريد رسول الله عليه وسلم فرجته أن يحملها معه إلى رسول الله حينما علمت أنه متوجه إليه.
وعندما جاء للمدينة وجدها تموج بالحركة، ووجد جموعًا من المقاتلين غص بهم المسجد وما حوله، وبلال متقلد سيفه بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام. وسأل عن جلية الأمر، فقيل له: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يبعث عمرو بن العاص في سرية إلى عدة جهات.
فدخل الحارث على رسول الله عليه الصلاة والسلام وبعد السلام سأله النبي عليه الصلاة والسلام سأله عما بين قومه وبني تميم، فأخبره أن حربًا ثارت في الجاهلية بينهم وبين بني تميم وكان النصر فيها لربيعة، وأخبره بشأن المرأة التي حملها معه من الربذة وهي من بني تميم وأنها بالباب تنتظر إذنه لها بالدخول، فأذن لها الرسول صلى الله عليه السلام وهنا بيّن الحارث بطلبته التي حملها إياه قومه، فقد طلب من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعل ربيعة وبني تميم حاجزًا، وذلك بإعطاء الدهناء لربيعة، فإنها كانت ديارهم في الجاهلية.
فلما سمعت العجوز التميمية تسمع مقالة الحارث حتى استنفرت وغضبت، فقالت للرسول عليه الصلاة والسلام منتصرة لقومها: وأين تضطر مضرك، بمعنى أين تذهب بقبيلة مُضر حينما تعطي لربيعة؟ فمن هذا المنطلق أدرك الحارث أنه ضرّ نفسه وقومه بحمل هذه المرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تكون خصمًا، وشبهت هذه المرأة بالمعزى، أي الغنمة التي حملت فوق ظهرها حملًا كان فيه حتفها أي موتها، ثم قال: حملت هذه المرأة، ولا أدري أنها خصم لي، ثم استعاذ أن يكون في وفادته للرسول عليه الصلاة والسلام مثل وافد عاد.
وهناك مثل آخر تمثل به هذا الرجل، فقد كانت العرب تقول: فلان كوافد عاد، وهو مثل به هذا الرجل، فقد كانت العرب تقول: فلان مثل وافد عاد، فقد صار مثل تضربه العرب للرجل المشؤوم الوفادة، يذهب ليطلب الخير لقومه فيأتيهم بالشر.
ما هي عاد
عادٌ عرفت بأنها إحدى القبائل العربية القديمة التي أرسل الله تعالى إليهم النبي هود عليه السلام، وكذبوه فأصابهم بالمحل والقحط، فأرسلوا أحد زعمائهم إلى مكة ليستسقي لهم في تلك الديار المباركة لعلهم يسقون وهؤلاء الذين طمس على قلوبهم يظنون أن التعامل مع الله كتعامل مع الملوك الظلمة، يحتاج أن يرسل إليه رئيس من الرؤساء أو زعيم من الزعماء ولو كان غليظ الطباع، فاجر النفس ممتلًا كبرًا وعجبًا مثل هذا الرجل.
فخرج وافد عاد إلى تهامة يستسقي لقومه وهم في كرب وبلاء، فمر بمعاوية ابن بكر، فأقام عنده شهرًا،يسقيه الخمر ويستمتع بغناء جاريتين مشهورتين بالغناء تدعيان الجرادتان.
فننظر إلى هذا الوافد الذي يلهو ويستمع بشهواته وملذاته تارك ما أرسل به مشغولًا عنه بأهواء نفسة!!. وبعد أن شبع مما كان فيه خرج إلى جبالِ تهامة واستسقى استسقاء ينبيك لفظه عن الحالة النفسية التي كان عليها، وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أخرج إلى مريض إلا وعالجته ولا أسير إلا وأفديه اللهم اسق عادا ما كنت نسقيه.
وبعدها جاءت سحاب من فوقه، فنودي من السحاب أن يختار واحدة من السحب التي يراها، فاختار أشدهن سوادًا وكما أساء في الدعاء أساء في الاختيار؛ لأنه اختار سحابة العذاب. فقيل له خذها رمادًا، بمعنى رمادًا دقيقًا تحمله ريح عاصف يدمر كل شيء أتى عليه، ومن بينهم قوم المستسقي، فكان شأن الريح ما أخبر الله عنها في كتابه، فكان من شؤم هذا الرجل بأن دعا للرجل الذي أكرم وفادته، ولعله حلّ به ما حلّ بقوم عاد.