كفارة الفطر بغير الجماع:
بعد أن تكلمنا عن الفطر بالجماع والكفارة الواجبة فيه نتناول هنا الفطر في نهار رمضان عمداً بغير الجماع. فنقول في هذا الأمر بأن الفقهاء اتفقوا على أن من أفطر في رمضان عمداً بالأكل أو الشرب يجب عليه القضاء، وهل تجب فيه الكفارة وقع في هذا خلاف بين الفقهاء كما يلي:
الرأي الأول: وهو الحنفية والمالكية والثوري وجماعةً منهم: قالوا أن من أفطر في رمضان متعمداً بالأكل والشرب وكل ما يصل إلى الجوف ويتغذى به عن طريق الفم يوجب القضاء والكفارة.
الرأي الثاني: وهو الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر: قالوا أن الفطر بالأكل والشرب لا يجب فيه إلا القضاء، فلا كفارة فيه والسبب في اختلافهم. واختلافهم هو في جواز قياس المفطر بالأكل والشرب على المفطر بالجماع، فمن رأى اتحاد وجه الشبه بين من أفطر في رمضان بالجماع، ومن أفطر بغيره من الأكل والشرب والتداوى اعمل القياس وأوجب في الإفطار بغير الجماع الكفارة كما في الجماع ووجه الشبه هو انتهاك حرمة الصوم بالفطرِ جعل الحكم فيهما واحد.
ومن رأى الكفارة عقاب لانتهاك الحرمة، فإنَّها أشد مناسبة للجماع من غير وذلك أن العقاب المقصود به الردع والعقاب. والعقاب الأكبر قد يوضع لما تميل إليه النفس وتغلب فيه الجناية وإن كانت الجناية متقاربة إذا كان المقصود من ذلك التزام الشرائع وأن يكونوا أخياراً عدولاً لقوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة:183. فهم يرون أن الكفارة خاصة بالجماع هذا عند من لا يرى القياس بين الحالتين؛ لأنه لا يعدى حكم الجماع في رمضان إلى الأكل والشرب فيه.
أدلة هذه الأقوال من السنة والمعقول:
لقد استدل أصحاب الرأي الأول الذين يقولون بإيجاب القضاء والكفارة على كل من أكل أو شرب عمداً في نهار رمضان بغير عذرٍ، بأنّ وصل إلى جوفه ما يتغذى أو يتداوى به كل من:
– من السنة. وهو ما روي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام” أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعمَ ستين مسكيناً”. سنن ابن ماجه.
ودليل هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر لرجلٍ أفطر بالتكفير هذا عام في الأكل والشرب والجماع، بل أن للجماع له واقعة خاصة كما سبق ذكرها في قصة الأعرابي الذي قال للنبي هلكت وأهلكت. فبالجمعِ بين الحديثين تبقى واقعة الأعرابي خاصة لأهمية الجماع في انتهاك الحرمة كما يبقى العموم في الحديث الذي نحن بصدده ويحمل على غير الجماع، ويجعل كل حديث في مجال ٍ معين وجعل القدر المشترك بينهما واحدٌ وهو إيجاب الكفارة بسبب انتهاك حرمة الشهر.
وأيضاً، فإنَّ تعليق الكفارة بالإفطار في عبارة الرأي وهو أبو هريرة، إذ أفاد أنه فهم من خصوص الأحوال التي يشاهدها في قضائه صلى الله عليه وسلم أو سمع ما يفيد أن إيجابِها عليه باعتبار الإفطار لا باعتبار خصوص الإفطار. والجناية بالإفطار هي انتهاك حرمة الصوم سواء كان بالأكل أو الشرب أو الجماع كاملة.
– أما المعقول: لما كان المقصود الأصلي من الصوم هو الكف سواء كان عن الأكل أو الشرب أو الجماع كان الركن الأساسي هو الكف، ويمكن أن ينتقض الكف بالأكل والشرب كما ينتقض بالجماع، لذلك فقد استوى الأكل والجماع في نقض الركنية في الصوم، فإذا كان الجماع يوجب الكفارة فكذلك الأكل.
وأيضاً: إذا كان الجماع في نهار رمضان يستوجب العقوبة وهي الكفارة بالنص، الذي ورد في قصة الأعرابي؛ لأنه ينقض الكف الواجب في الصوم، فكذلك نقض الكف بغير الجماع يستوجب نفس الحكم المترتب على الجماع. واستدل أيضاً أصحاب هذا القول الثاني الذين يرون وجوب القضاء دون الكفارة على من أفطر عمداً في رمضان بغير الجماع من السنة والمعقول.
– من السنة: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: هلكت وأهلكت قال وما أهلكك؟ قال: واقعتُ امرأتي في نهار رمضان قال: هل تجد ما تعتق رقبة إلى آخر الحديث.
– من المعقول: أنه لم يرد نص في إيجاب الكفارة على من أفطر بالأكل أو الشرب، كما أنه لا يقاس الأكل أو الشرب على الجماع؛ لأن انتهاك الحرمة بالجماع أشد فاقتضى أن يكون الزجر عليه أبلغ وليس ذلك إلا بايجاب الكفارة، بخلاف الأكل والشرب؛ لأن انتهاك الحرمة بهما ليس كالجماع.