ما هي كيفية اعتبار السبب في اليمين؟

اقرأ في هذا المقال


كيفية اعتبار السبب في اليمين:

لقد تحدثنا على أن النية معتبرة في اليمين إذا وجدت، فما نواه الحالف في يمينه فإنَّه يصرف إليه، ويلزم به، وإنَّ لم يلتزم فقد حنث ووجبت الكفارة عليه. أما إذا انعدمت النية أو خفيت ولم تتضح فيرجع إلى الباعث أو السبب الذي هيّج الحالف على القسم، إذا السبب يقوم مقام النية عند انعدامها. ويمكن توضيح ذلك بالأمثلة التالية:
لوغضب إنسان من أميرٍ ظالم أو فاسق فأقسم قائلاً: والله لا أسكن في هذا البلد احتجاجاً على وجود الظالم فيه، فإنَّه لا يحنث إذا سكن البلد بعد زوال الأمير الظالم؛ لأن الذي هيجه على اليمين ودفعه إليه هو ظلم الظالم، فأراد أن يتجنّبه، بعدم مساكنتهِ في بلده، فلما مات الظالم زال الظُلم. ولو غضب إنسان من امرأة كاسية عارية، فقال: والله لا أكلمها لهذا المنظر القبيح منها، ثم هداها الله، والتزمت باللباس الشرعي وبأحكام الإسلام فكلمها بعد ذلك، فإنَّه يحنث؛ لأن الذي هيجه على اليمين هو عِريها وقد زال.

اعتبار المعنى الشرعي واللغوي والعرف في اليمين:

إنَّ الأيمان تبنى على النية، والسبب والمعنى العرفي والمعنى اللغوي. والفقهاء جميعاً يعتبرون هذه الأصول إلا أنهم يختلفون في تربيتها وتقديم بعضها البعض. والترتيب الذي ترتاح له النفس، ويميل إليه العقل ما رتبه الحنابلة إذ قالوا: يرجع إلى النية أولاً، فإنَّ انعدمت النية رجع إلى السبب الذي هيّج الحالف على اليمين فإنَّ انعدمت النية والسبب رجع ذلك إلى المعنى الشرعي إذا كان للفظِ موضوعٌ شرعي، وإذا لم يكن للفظ موضوع شرعي صرف إلى العرف اللفظي، وإذا لم يكن له عرف لفظي صرف إلى المعنى اللغوي. ويمكن توضيحُ ذلك بما يلي:
لو أقسم رجلٌ على أن يُصلي صلاةً في مسجدٍ معين، فإنَّ مدلول الصلاة هنا يُفسره المدلول الشرعي، وهو الركوع والسجود والقيام والقراءة وغيرها، ولا تصرف لمعناهَا اللغوي وهو الدعاء.

العرف اللفظي في اليمين:

إذا كان اللفظ ليس له دلالة شرعية، كاللحم والفاكهة وغيرها فإنَّ الدلالة في اليمين تعود إلى ما تعارف عليه الناس في كلامهم، وهذا العرف ليس ثابتاً، بل قد يتغير. وعلى كل حال فإنَّ المعنى العرفي هو الذي يُفسر القسم. فلو أقسم رجلٌ في أيامنا هذه وقال: والله لا آكل لحماً، ثم آكل سمكاً، فإنَّه لا يحنث؛ لأن الناس تعارفوا في أيامنا هذه على أن السمك لا يُعدّ لحماً مع أن الله تعالى قال عنه في القرآن:“وَتَأكُلًونَ مِنهُ لَحمَاً طَريّاً”.
ولو أقسم رجلٌ على أكل لحم، فأكلَ من كرش البعير أو أمعائه، أو كبده أو طحاله، فإنَّه لا يحنث، مع أن الكرش لحم في اللغة، إلا أنه في عرف الناس لا يُعدّ لحماً.
ولو حلف رجلٌ على ألا يأكل التمر، فشرب تمراً هندياً، فإنَّه لا يحنث؛ وذلك لأن الناس تعارفوا في بلادنا على أن التمر المقصود هو تمر النخيل إذا جف.


شارك المقالة: