الإطعام في الكفارة:
الإطعام: وهي الخِصلة الثالثة والأخيرة من خِصال الكفارة، ولا يلجأ إليها المكفر إلا عند عدم القدرة على صيام شهرين متتابعين والواجب إطعام ستين مسكيناً والحكمة من ذلك مقابلة كل يوم بإطعام مسكين.
وعند جمهور الفقهاء: يؤخرون الإطعام على الصيام إلا مالك قال: وتقدم الإطعام في كفارة الصوم أحب إلى من العتق والصوم كما روى عنه ابن القاسم. والدليل على ذلك: قصة الأعرابي عندما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: “هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا: قال: هل تستطيع أن تُطعم ستين مسكيناً، قال: لا قال: فمكث النبي عليه الصلاة والسلام، فبينما نحنُ على ذلك، أتي النبي عليه الصلاة والسلام بعرق فيه تمر، والعرق، المكتل، فقال عليه الصلاة والسلام: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين لابتيها يريد الحرّتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمهُ أهلك”. متفق عليه اخرجهُ البخاري.
فقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام الإطعام آخر خِصال الكفارة، وحدد عدد المساكين الواجب إطعامهم ولم يترك لذلك مجالاً للاختلاف؛ لأنه ربما توهم أنه كيف يطعم عن اليوم الواحد ستين مسكيناً فكان للنصِ قاطعاً لمجالِ الاجتهاد.
مقدار الإطعام:
بعد أن اتفق الفقهاء على وجوب الإطعام عند عدم المقدرة على الصيام واتفقوا كذلك على العدد الواجب إطعامه، اختلفوا في القدر الواجب لكل مسكين فروي عن مالك والشافعي وأصحابِهما، أن لكل مسكين مُدّ بمدّ والنبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد بن حنبل أن كان المطعوم براً فلكلّ مسكين مدّ أو نصف صاع من تمر أو شعير وقال أبو حنيفة: نصفُ صاعٍ من غيره. وسبب هذا الخلاف في مقدار الإطعام: هو معارضة القياس للأثر، أما القياس فتشبيهُ هذه الفدية بفدية الأذى المنصوص عليها في الحجّ، وأما الأثر: فما روي في بعض طرق حديث الكفارة” إنَّ الفرق كان فيه خمسة عشر صاعاً”.
الأدلة: لقد استدل الشافعية والمالكية ومن وافقهم على القول بأن لكل مسكين مداً بما روى عن أبي هريرة في حديث المجامع الأعرابي أن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بمكتل من تمر قدره خمسة عشرَ صاعاً، فقال: خذّ هذا فأطعمهُ عنك. ودلالة هذا الحديث، أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل لكلِ مسكين مداً؛ لأن كل صاع يساوي أربعة أمداداً، فلو قسمت الخمسة عشر صاعاً على الستين مسكيناً لأصاب كل واحد منهم مدّاً.
واستدل الحنابلة على قولهم بأن لكل مسكين مداً من بر مدين من تمر أو شعير بما يلي:
من السنة: وهو ما روى الإمام أحمد عن أبي زيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف “وسق” والوسق هو ستون صاعاً والصاع هو مكيال أهل المدينة في عهد النبي، وقدره أربعةُ أمداد وأصل المدانةِ فك اليدين المَمدودتين المتوسطتين. شعير فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للمظاهر” أطعم هذا فإنَّ مُدى شعيرٍ فكان مدّ بُر”.
ووجه الدلالة أن النبي عليه الصلاة والسلام، جعل كفارة الظهار مُدين من الشعير لكلِ مسكين مكان مداً من البر ويلحق به كفارة الصيام.
من القياس: واستدلوا بالقياس على قياس كفارة الصوم على فدية الأذى في الحجّ وفدية الأذى مقدرةً بنصفِ صاعٍ من التمر والشعير بلا خلاف فكذا هذا والمدّ من البر يقوم مقام نصف صاع من غيره بدليل الحديث المتقدم، وهذا رأي مجموعة من الصحابة وهم أبي هريرة وابن عباس وابن عمرو رضي الله عنهم ولا مخالف لَهم من الصحابة.
استدل الحنفية على قولهم بأن لكل مسكين نصف صاع من حِنطة أو صاع من شعير أو تمر بما يلي:
ما روي من حديث أبي داود وابن ماجه والترمذي وأحمد من قوله عليه الصلاة والسلام لسلمة بن صخر البياضِ أطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمريينِ ستين مسكيناً، قال الترمذي حديث حسن من برّ.
من تعطى له الكفارة:
يُفيد النص الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تُعطى للمساكين ممّا ورد في حديث الأعرابي حيثُ قال: فهل تستطيع أن تُطعم ستين مسكيناً والأحاديث المتقدمة التي تدلُ على أن لكل مداً أو مدين على الخلاف المتقدم وتحديدها بالمسكينِ يُعتبر تأسيساً بما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهل تُعطى الفقير؟ نعم إنَّها تُعطى للفقير؛ لأن الفقير والمسكين كلاهما من مصارف الزكاة والمقصود هو دفع حاجتهما وإنَّ كان المسكين أشد حاجة من الفقير؛ ولأن الفقير هو من يملك قوتَ عامةٍ والمسكين هو من لا يملكُ شيئاً.