ما هي كيفية الانتقال من القصاص إلى الدية وما مذاهب الفقهاء في هذا الأمر؟

اقرأ في هذا المقال


كيفية الانتقال من القصاص إلى الدية ومذاهب الفقهاء في الأمر:

لقد اختلف الفقهاء في طبيعة الانتقال من القصاص إلى الدية، وهل هو حقٌ واجب لولي الدم دون خيارٍ للقاتل؟ أم أن الدية لا تُثبت له إلا بالتراضي بين الطرفين.

  • المذهب الأول: ليس لولي الدم الانتقال من القصاص إلى الدية إلا إذا رضي القاتل، وهذا مذهب الأحناف والمالكية في المشهور عنهم. أدلة المذهب الأول هم الأحناف والمالكية في المشهور عنهم.
    واستدل أصحاب المذهب الأول بكتاب الله والسنة والمعقول.
    – كتاب الله، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” البقرة:178.
    وجه الدلالة: نصت الآية على أن موجب القتل العمد العدوان القصاص لا غيره، وقوله: “كُتِبَ” وهي دالة على الوجوب والقول بإيجاب الدية على وجه التخيير زيادةً على النص. والزيادةُ توجب النسخ، فهذا غير جائز.
    قال الكاساني: إن القصاص إذا كان عين حقه أي القتل العمد، كانت الدية بدل حقه وليس لصاحب الحق أن يعدل من عين الحق إلى بدله من غير رضى من عليه الحق، كمن عليه حنطة موصوفة، وأراد صاحب الحق أن يأخذ منه قيمتها من غير رضاهُ وليس له ذلك.
    – السنة النبوية: عن أنس بن النضر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “كتاب الله القصاص”. ووجه الدلالة: أنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن الذي في كتاب الله القصاص دون المال، فلا يجوز إثبات المال مع القصاص.
    وعن ابن العباس رضي الله عنهما يرفعهُ قال: “من قتل في عمية أو رمية بحجر، أو سوط أو عصا، فعقلهُ عقلُ الخطأ، ومن قتل عمداً فهو قود، ومن حال بينه وبين فعله، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. ودلالة هذا الحديث هي أن موجب قتل العمد القصاص عيناً، ولا يجوز الانتقال إلى غيره.
    – المعقول: إن القصاص من حيث الصورة قتلٌ بإزاء قتل وإزهاق حياة، أما من حيث المعنى فإن المقصود بالقتل ليس إلا الانتقام، والثاني في معنى الانتقام الأول، وبهذا سمّي قصاص، ثم المثل واجب بطريق الجبر، ولا يجعل جبران الحياة بالمال، وإنما جبران الحياة هي بحياةٍ مثلها، وذلك في القصاص.
  • المذهب الثاني: أما القائلين بأن الولي مخير بين القصاص أو الدية، ولم يشترطوا رضى القاتل. واستدل أصحاب المذهب الثاني بالكتاب والسنة والمعقول.
    – القرآن الكريم: قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” البقرة:178.
    ووجه الدلالة: أن الآية تخاطب المجني عليه “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ” في التخيير بين القصاص والدية بغض النظر عن رضى الجاني.
    – السنة: عن أبي شريح الخزاعي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:”من أصيب بدمٍ أو خبل، فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: أن يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية. ووجه الدلالة: أنه دل الحديث صراحةً بأن الخيار للولي بين القصاص والدية، وللولي حق للعدول عن المال من غير رضى الجاني.
    – المعقول: إن الله تبارك وتعالى وسع على أمة الإسلام، فخيّرها بين القصاص والدية، وإذا ما عدل ولي الدم إلى الدية، فلا اعتبار برضى القاتل أو عدمه؛ لأنه معاقب.
    والراجح: إن الأدلة التي استند إليها أصحاب المذهب الأول: الأحناف والمالكية في الأظهر، أنه ليس لولي الدم الانتقال من القصاص إلى الدية إلا إذا رضي القاتل أدلةً عامة، وليس فيها يدل على الاقتصار على القصاص وحده، علماً بأنه قد وردت أحاديث أخرى استدل بها الشافعية والحنابلة وقولٌ للمالكية، تبين أن أولياء الدم مخيرون بين القصاص أو الدية.
    لقد قال ابن رشد معلقاً على حديث “كتاب الله القصاص” قال: إن هذا الحديث متفقٌ على صحته ولكنه ضعيف الدلالة بأنه ليس له إلا القصاص، بخلاف ما استدل به الحنفية والمالكية، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قتل له قتيل فهو بخيرالنظرين، فإما أن يأخذ الدية أو أن يعفو. وعلى ذلك فقد يُرجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة وقول المالكية، وهو ما أفادته النصوص السابقة في مخاطبة وليّ القتيل، وهذا الرأي مُتوافق مع مقاصد الإسلام وسماحته.

شارك المقالة: