كيف حذر الله تعالى آدم عليه السلام وزوجه من الابتعاد عن الشجرة؟

اقرأ في هذا المقال


تحذير آدم عليه السلام وزوجه للابتعاد عن الشجرة:

لقد سكن آدم وزوجه الجنة وتكفل الله لهما، “إن لك ألّا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى” سورة طه:118-119.
إنّ المأكل والملبس والمشرب والمسكن لا يستغني عنها الإنسان، وهي من ضروريات الحياة ولو نقصت واحدة لاستحالت الحياة وأصبحت غير محتملة، وفرّ لآدم وزوجه حياةً مريحة لا جهد فيها ولا تعب مليئة، بالنعم “لكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون” فصلت:31. إنها نعمة الله على آدم وزوجه طالباً منهم المحافظة على هذه النعمة بتجنب أمرين وهما: تحذير آدم عليه السلام وزوجه من الإقتراب من الشجرة، والأمر الثاني: تحذير آدم عليه السلام وزوجه من إبليس.

تحذير آدم عليه السلام وزوجه من الاقتراب من الشجرة:


قال تعالى: “ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” البقرة:35. وقال تعالى أيضاً: “ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” الأعراف:19.
إنّ هذين المعرضين الذين صورا قصة آدم، جاء التحذير على صورة واحدة لفظاً ومعنى في المعرضين دون زيادة حرف واحد في أي منهما، وهذا يدل على منهما، وهذا يدل على أنهما قول واحد تكرر للتأكيد وزيادة التحذير والتنبيه، ويُلاحظ أن النهي كان عن الاقتراب من الشجرة لا عن الأكل منها، وهذا أبلغ في النهي من الأكل؛ لأن مجرد الاقتراب يوقع في الإثم، فكيف بمباشرتها والأكل منها.
ولعل الله أراد بحكمتهِ أنّ يُبتلي آدم وزوجه، فحذرَهُما من الاقتراب من الشجرة، وذلك أبلغ حتى لا يُغريهما منظر الشجرة أو شكل الثمار أو لونها أو رائحتها، فيأكلون منها، فأراد الله أن يحمي آدم من نفسه ومن الإغراء الذي يمكن أن يتعرض له وقد لا يقوى عليه وذلك؛ لأن الاقتراب من الشيء يؤدي إلى اقترافه. وعلى كلٍ فقد أباح الله لآدم وزوجه أن يَأكلا من جميع الشجر والثمر، إلا الشجرة واحدة نهاهم عن الاقتراب منها فضلاً عن الأكل، فما هي هذه الشجرة التي نُهي عنها آدم وزوجه.

آراء علماء المسلمين في الشجرة المنهي عنها:

لقد ذهب العلماء والمفسرون، في ذلك مذاهب شتى مستندين على روايات موقوفة عن بعض الصحابة والتابعين وهذه أقوالٌ كثيرة ومتنوعة اخترنا أشهرها وهي:
شجرة السنبلة أو الحنطة، وهذا القول مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وابن مسعود ومحمود ابن كعب ومقاتل والحسن البصري ووهب ابن منبه وعطية العوفي وأبي مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
شجرة الكافور وهذا القول مروي عن علي رضي الله عنه.
شجرة التين، وهذا القول مروي عن عطاء والحسن وابن جريج.
شجرة النخلة، وهذا القول مروي عن الثوري عن أبي حصين عن أبي مالك.

شجرة الخلد وهذا القول مروي عن وهب ابن منبه.

شجرة الكرمة، وهذا القول مروي عن السدي عن ابن عباس وابن مسعود ومرويٌ عن سعيد ابن جبير والشعبي ومحمد ابن قبيس ومجاهد وحكاه ابن سعد عن جعدة ابن هبيرة.

شجرة العلم وهذا القول مروي عن قتادة.
فهذه هي أقوال العلماء التي حددوا فيها نوع الشجرة، دون أن يكون لها برهان من قرآن أو سنة، فالشجرة مجهولة غير معروفة النوع ولا الصفة غير أنها معروفة لآدم وزوجه حينما عينها لهم الله وأشار إليها بقوله هذه الشجرة، وليس يُجدي البحث عنها، فإن معرفتنا بها لا يُفيد، كما أن جهلنا بها لا يضر، ولو علم الله أن في ذكرها مصلحة لعينها لنا، فلا فائدة من معرفة اسمها أو لونها أو وصفها، بل يكفي أن نعرف آدم قد نُهي عن شجرة ما اختباراً وامتحاناً له أمام الشيطان.
إن هذه الشجرة سماها إبليس شجرة الخلد وهو كاذب في ذلك؛ لأنه أراد بذلك أن يغوي آدم وزوجه فالأوصافِ التي ذكرها إبليس عن الشجرة لا تلتقي في الواقع ولا تستقيم مع الحق، وإنما هي تلفيقات وأكاذيبٌ من إبليس ليخدع بها آدم وزوجه، ولو كانت شجرة الخُلد حقاً لأكلَ منها إبليس نفسه. فقد توقف أكثر العلماء عن ترجيح رأي دون آخر بل قالوا بالتوقف وعد القطع، ومن هؤلاء العلماء الرازي وأبي السعود والألوسي وابن كثير والطبري وغيرهم.

آراء علماء أهل الكتاب في الشجرة المنهي عنها:

لقد تعرفنا على أن هناك شجرتين نُهي عنهما آدم وزوجه وليس شجرة واحدة كما جاء في القرآن الكريم، والشجرتانِ هما شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر، ودليلنا في ذلك ما جاء في سفر التكوين، وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرةٍ شهيةٍ للنظر وجيدة للأهلِ وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير. وعلى أساس هذا النص يكون في وسط الجنة شَجرتان، شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة، حيث خلقهما الله وأودع فيهما جمال الطعم وجمالُ المنظر شهيةً للنظر وجيدةً للأكل.

تحذير آدم عليه السلام وزوجه من إبليس:

لقد أوصى الله آدم وزوجه وحذره من إبليس كما جاء في القرآن الكريم في حين خلى الكتاب المقدس من ذكر ذلك التحذير قال تعالى: “فقُلنا يا آدم إنّ هذا عدوٌ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى”. طه:117.
عندما أبى إبلِيس السجود لآدم لُعن وطرد من رحمة الله، فكان في اعتقاده أن آدم هو السبب في ذلك فحقد عليه وصمم على الانتقام منه ومن ذريته عند أول منازلة بينهما أو عند أول فرصة تُتاح له، فإبليسُ اللعين قلبه مليء بالحقد والحسد على المكانة التي ارتقى إليها آدم وعلى المكانة التي هبط إليها هو، لذلك جاء تحذير الله لآدم فلم يتركهُ هكذا بل حذره وأعلمهُ بما يكنّ له إبليس حتى يكون آدم على بينةٍ من أمره.
حذر الله آدم عليه السلام من إبليس وطلبَ منه الاستماع إلى اغراءاته ووعوده الكاذبة؛ لأنه يُريد به السوء، يُريد أن يخرجه وزوجه من الجنة التي ينعمون بظلالها الوارفة ونعيمها وسحرها الأخاذ، قائلٌ لهم: إياكم أن تستمتعوا إليه وإياكم أن تصدقوه؛ لأنه سوف يستخدم جميع أسلحتهِ، وهي أسلحة الخُبث والخديعة والوعود والأماني الكاذبة: “قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ- ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ ” الأعراف:16-17.
إنّ الإبليس لا يتورع أن يستخدم جميع الأساليب في سبيل الانتصار في أول معركةٍ مع الإنسان، لذلك أراد الله أن يحصن آدم وزوجه عند أول جولةٍ يلتقون فيها موضحاً لهما غاية إبليس وهدفهُ وأساليبه التي سوف يستعملها، فهل استنصح آدم من التحذير ولم يستمع للشيطان هذا ما سوف نعرفه لاحقاً، وعلى ذلك يكون المعنى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وتمتعا بكل ما فيها من ثمار وأشجار، وتَنسما من أزهار مالذ وطاب لكم، ولكن أوصيكم بألا تدنو من هذه الشجرة وأن لا تستمعا إلى إغراءات إبليس وأمانيه الكاذبة حتى لا تكونا من العُصاة المخالفين لأمرِي، فتَظلموا أنفسكم.



شارك المقالة: