تقسيم العقوبات المالية:
لقد قسّم ابن تيمية العقوبات المالية إلى عدة أقسام، من حيث أثر هذه العقوبات في المال. منها إتلافه والثانية تغييره والثالثة تمليكه، وإن لهذا التقسيم أهمية كبيرة وسنتحدث في هذا المقال عن كل واحدة منها.
إتلاف المال:
إن المنكرات من الأعيان والصفات بجواز إتلاف محلها تبعاً لها: ومثال على ذلك الأصنام، فإن صورها منكرة فيجوز إتلاف مادتها، وكذلك أيضاً يجوز إتلاف آلات اللهو عند أكثر الفقهاء، وبذلك أخذ مالك، وهو أشهر الروايتين عن أحمد. ومنها أيضاً أوعية الخمر، ويجوز تكسيرها وحرقها، والحانوت الذي يُباع في الخمر يجوز تحريقه، وقد استند من قال بذلك على قضاء عمر في الحانوت الذي يُباع فيه الخمر، وقد كان مملوكاً لشخص يُدعى رويشد، فقال له: إنما أنت فويسق لا رويشد، وأمر بتحريقهِ. ومثل ذلك قضاء على بتحريق القرية التي كان يُباع فيها الخمر؛ لأن مكان البيع كالأوعيةِ، وهكذا على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما.
ومن ذلك ما يراه بعض الفقهاء القائلين بهذا الأصل من جواز إتلاف المغشوشات في الصناعات، مثل الثياب رديئة النسخ بتمزيقها وإحراقها. وتحريق عبد الله بن عمر لثوبه المعصفر، بأمر النبي عليه الصلاة والسلام. وإتلاف المحل الذي قامت به المعصية مثل إتلاف المحل من الجسم الذي وقعت به المعصية، كقطع اليد في السرقة، وقطع الرجل واليد في المحاربة. وكل ما قام به المنكر، يكون إتلافه نهياً عن العود إلى ذلك المنكر.
وهذا الإتلاف ليس واجباً في كل حالة، إذا لم يكن في المحل مفسد، فإن إبقاءهُ جائز: إما لله أو يتصدق به. أما إتلاف عمر للبن الذي خلط بالماء للبيع، فإن ذلك يدل من باب أولى على جواز التصدق بهذا اللبن؛ لأن الفقراء عنده في المدينة كانوا قليلين أو معدومين، إذ كان يُغني الناس بالعطاء.
وهذا السبب المتقدم هو الذي جعل طائفة من العلماء يكرهون إتلافه وجوزوا المتصدق به، ومن هؤلاء مالك، وفي رواية ابن القاسم وهي الرواية المشهورة في المذهب. وقد استحسن مالك التصدق باللبن المغشوش؛ لأن في ذلك عقاباً للجاني بإتلافهِ عليه، ونفعاً للمساكين في نفس الوقت بإعطائهم إياه.
وقال مالك في الزعفران والمسلكِ بمثل قوله باللبن: إذا غَشهما الجاني. وقال ابن القاسم بذلك في الشيء القليل من مثل تلك الأموال؛ لأن القول بالتصدق المغشوش في الكثير من هذه الأموال الثمينة تضيعُ به أموال عظيمة على أصحابها، وقال: إن على الجاني في مثل هذه الأحوال عقوبات أخرى تعزيرية.
التغيير بالمال:
قد لا تكون العقوبة الكافية بإتلاف المحل، بل تقتصر على تغييره، ومثال ذلك، نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كسر العملة الجائزة بين المسلمين، كالدراهم والدنانير، إلا إذا كان بها بأس، فإذا كانت كذلك كسرت، وأيضاً فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في التماثل الذي كان في بيته، والستر الذي به تماثيل، إذ قطع رأس التماثل، فصار كالشجرة.