مشروعية الرضاع في الإسلام:
وسنتحدث في الموضوع إلى مشروعية الرضاع من خلال الحديث عن الحق في الرضاع وكذا استئجار المرضع.
أولاً: الحق في الرضاع: لقد حثت الشريعة الإسلامية على أنّ الرضاع واجب على الأم وأنّها تُسأل عنه أمام الله تعالى ؛ وذلك حفاظاً على حياة طفلها، سواء أكانت متزوجةً من أبي الرضيع أم مطلقة منه وانتهت عدّتها. وقد اختلفوا في وجوبه عليها قضاءً، أيستطيع القاضي إجبارها عليه أم لا. فقالت المالكية: بالوجوب قضاء، فتجبر عليه، وقال الجمهور بأنّهُ مندوب لا تجبر عليه، ولها أن تمتنع إلا عند الضرورة، ورضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجباراً أمّه على رضاعهِ، سواء كانت من مرتبة أدنى أو شريفة، وسواء أكانت في حال الزوجية أم مطلقة.
لقد ذكر عند ابن رشد المالكي: ويُستحب للأم أن ترضع ولدها، ومنشأ الخلاف: كيفية فهم المراد من قوله تعالى: “ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ” البقرة:233.
لقد مال المالكية إلى أنّهُ توجب على الأم إن كانت زوجة أو معتدة من طلاق رجعي بأن ترضع طفلها، فلو امتنعت عن إرضاعه بدون عذر، أجبرها القاضي إلّا المرأة الشريفة لثراء أو حسب، فلا يجب عليها الإرضاع إذا قَبلَ الطفل الرضاع من غيرها، فقد فهموا من الآية أنّها أمرٌ لكل والدة زوجة أو غيرها بالرضاع، وهو حق عليها، واستثنوا الشريفة بالعرف القائم على المصلحةِ العامة. ولا يجبُ الإرضاع على المرأة المُطلقة طلاقاً بائناً، وذلك لقول الله تعالى: “فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ” الطلاق:6. فجاءت هذه الآية واردة في حق المطلقات طلاقاً بائناً.
وقالوا: إنّ معنى قوله تعالى: “ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ” البقرة:233. أي أنّ الأم لا تأبى أن تُرضعهُ إضراراً بأبيه، ولا يحلُ للأب أن يمنع الأم من إرضاعه، وذلك كله عند الطلاق؛ لأن ذكر النهي عن الضرر جاء عند ذكر الطلاق؛ ولأن النفقة واجبة واجبة للمطلقة الرجعية؛ لأجل إبقاء النكاح في العدة، ولا تستوجب الأم زيادة على النفقة لأجل رضاعه.
لقد ذهب الجمهور إلى أنّ الآية الكريمة هي أمر ندب وإرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهنّ، إلّا إذا لم يقبل الولد ثدياً غير ثدي أمّه وذلك بدليل قوله تعالى: “وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ” الطلاق:6. وإنما ندب للأم إرضاع ولدها؛ لأنّ لبن الأم أصلح للطفل، شفقة الأم عليه أكثر؛ ولأن الرضاع هو حقٌ للأم، كما هو حق للوليد، ولا يُجبر أحد على استيفاءِ حقه، إلّا إذا وجد ما يستدعي الإجبار. ويُفهم منهُ أنّ الفقهاء اتفقوا على وجوب الإرضاع على الأم في ثلاث حالات وهي:
1- إذا لم يقبلُ الرضيع أن يرضع إلّا من صدر أمّهِ، فيتوجب عليه عندئذٍ إرضاعهُ، وذلك إنقاذاً له من الهلاك لتُعين الأم، كما تجبر المُرضعة على استدامة الإجارة بعد مضي مدتها، إذا لم يقبل ثدي غيرها.
2- أن لا توجد مرضعةٌ أخرى سِواها، فيلزمها الإرضاع للحفاظ على حياته.
3- إذا عُدم الأب لاختصاصها به، أو لم يوجد لأبيه ولا للولد مالٌ لاستئجار مرضعة فيتوجب عليها إرضاعه، لكي لا يموت.
وأوجب الشافعية على الأم إرضاع اللبأ: وهو اللبن النازل أول الولادة؛ لأنّ الولد لا يعيش بدونه غالباً، وغيرها لا يغني.
ثانياً: استئجار المرضع: أنّه إذا امتنعت الأم عن الإرضاع في هذه الحالات السابقة، فقد توجب على الأب أن يستأجر مرضعةً وتسمّى”ظئراً” لإرضاع الطفل؛ وذلك من أجل الحفاظ على حياة الولد، وعلى الظئر المستأجرة أن ترضعه عند أمّه؛ لأنّ الحضانة حقٌ لها، وامتناعها على الإرضاع لا يسقط حقها في الحضانة، لأنّ لكل منهما حق مستقل عن الآخر. فإن لم يستأجر الأب مرضعة، كان للأم أن تطالبه قضاء بدفع أجرة الرضاع، لتستأجر هي من ترضعه، ولا يستأجر الأب ولو من مال الصغير أم الرضيع في حال الزوجية أو العدّة من طلاق رجعي، ويجوز استئجارها إذا كانت بائناً في الأصح لدى الحنفية؛ لأنّ الأب في حال الزوجية والعدّة قائم بنفقة الزوجة، ولا يجتمع عليه واجبان، وفي أخذها الأجرة من مال الصغير أخذ للأجرة على الواجب عليها ديانة وهو الرضاع.