معجزة نبي الله صالح لقومه ثمود
لقد أرسل الله تعالى نبيهُ صالحاً عليه السلام لدعوة قومه ثمود إلى التوحيد، وترك ما يعبدُ أبائهم وأن يعودوا إلى عبادة الله وحده ولا يشركوا به شيئاً، وأيّد الله عزّ وجل نبيهُ صالحاً عليه السلام بآيةٍ ومعجزةٍ خارقة للعادة، فكانت معجزة نبي الله صالح عليه السلام هي الناقة التي خرجت لقوم ثمود من الصخر كما طلبوا، فكانت هذه المعجزة خارقة للعادة لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثلها، وكانت آية ودليلاً وبرهاناً عظيماً وشاهد حق على صدق نبوة صالح عليه السلام وصدق دعوته، هذه الناقة العظيمة وهي من أعجب الآيات التي أرسل بها الأنبياء إلى أقوامهم، فلم يُعط أحد من الأنبياء مثل ناقة صالح عليه السلام، ويكفي شرفاً أن هذه الآية نسبت إلى الله ولم تُنسب إلى غيره من باب التشريف والتعظيم، ويدل على ذلك قوله تعالى: “قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ” الأعراف:73.
قال الزمخشري: “قد جاءتكُم ببينةٍ” هذه آية ظاهرة وشاهد على صحة نبوتي، كأنه قيل: أُشير إليها آية، ولكم بيانٌ لمن هي له آية موجبةً عليه الإيمان خاصةً وهم ثمود؛ لأنهم عاينوها وسائر الناس أخبروا عنها، وليس الخبر كالمعاينة، كأنه قال: لكم خصوصاً، وإنما أضيفت إلى اسم الله تعظيماً لها وتفخيماً لشأنها، وأنها جاءت من عنده مكونة من غير فحل وطروقه آية من آياته. وقد ذكر الزمخشري: وإنما أضيفت الناقة إلى اسم الله تعظيماً لها وتفخيماً لشأنها.
قال الشهيد سيد قطب: السياق هنا؛ لأنه يستهدف الاستعراض السريع للدعوة الواحدة ولعاقبة الإيمان بها وعاقبة التكذيب، لا يذكر تفصيل طلبهم للخارقة، بل يعلن وجودها عقب الدعوة. وكذلك لا يذكر تفصيلاً عن الناقة أكثر من أنها بيّنة من ربهم. وأنها ناقة الله وفيها آية منه، ومن هذا الإسناد نستلم أنها كانت ناقة غير عادية، أو أنها أخرجت لهم إخراجاً غير عادي، مما يجعلها بينة من ربهم، ومما يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى، ويجعلها آية على صدق نبوته، ولا نزيد على هذا شيئاً مما لم يرد ذكره من أمرها في هذا المصدر المستيقن، وفيما جاء في هذه الإشارة كفاية عن كل تفصيل آخر، فنمضي نحن مع النصوص ونعيش في ظلالها.
فقال تعالى: “وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ” هود:64. قال الخازن: وقوله ناقةُ الله إضافةُ تشريف مثل بيت الله وعبد الله فكانت هذه الناقة لهم آية ومعجزةً دالة على صدق صالح عليه السلام.
وهذه الناقة هي المعجزة التي طلبها قوم ثمود من نبي الله صالح عليه السلام دليلاً على صدق دعوته، فأيّد الله نبيه بهذه المعجزة الربانية العجيبة من نوعها التي لم يُعطَ أحدٌ من الأنبياء مثلها.. قال أبو السعود: “ويا قومِ هذه ناقةُ الله” فالإضافةُ جاءت للتشريف والتنبيه على أنها مفارقةٌ لسائر ما يُجانسها من حيث الخِلقة ومن حيث الخُلق،“لكُم ءايَةً” وهي معجزة تدلُ على صدقِ نبوته. فذكر المُراغي: إن الآية هي المعجزة الدالة على صدق نبوته، ألّا وهي الناقةُ التي أخرجها الله من تلك الصخرة الصّماءِ. فقال تعالى: “وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا” الإسراء:59.
ذكر ابن كثير في كتابه قصص الأنبياء: وقد ذكر المفسرون أن ثموداً اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسولُ الله صالح عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرةٍ هناك “ناقة” من صفتها كذا وكذا وذكروا أوصفاً يُسموها ونَعتوها وتعنَتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا، فقال لهم نبي الله صالح عليه السلام: أرأيتم إن أحببتكُم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتُصدقوني فيما أرسلت به قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك. ثم قام إلى مصلاه فصلى لله تعالى ما قدر له، ثم دعاغ ربه تعالى أن يُجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله تعالى تلكَ الصخرةِ أن تنفطر عن ناقةٍ عظيمة عشراء على وجه المطلوب الذي طلبوا أو على الصفة التي نعتوا، فلما عاينوها كذلك رأوا أمراً ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرةً ودليلاً قاطعاً وبرهاناً قاطعاً وساطعاً على صدقهِ فيما يدعوهم إليه فآمن كثيرٌ منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم وجحدوا بآية الله التي طلبوها من نبيهم صالح عليه السلام فأخذهم العذاب بسبب كفرهم.
وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الناقة في بعض أحاديثه، نذكر منها حديثاً “عن عبد الله بن زمعة، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها فقال: “إذ انبعثَ أشقاها” أي انبعث بها رجل عزيز عارم منيع في رهطه، مثل أبي زمعة” صحيح مسلم.
صفات ناقة سيدنا صالح
ورد ذكر ناقة سيدنا صالح في القرآن الكريم والسنة النبوية، ووصفت بصفاتٍ عجيبة تدل على قدرة الله تعالى:
- الخلق من صخر: تم خلقها من صخرٍ صلدٍ بقدرة الله تعالى، دلالةً على عظم قدرته وإثباتًا لنبوة سيدنا صالح.
- الإناث: كانت الناقة أنثى، وذُكر ذلك في القرآن الكريم.
- الحمل والولادة: ظهرت الناقة حاملًا في الشهر الذي تحدّى فيه قوم ثمود نبيّهم، وولدت في نفس اليوم أمام أعينهم، دلالةً على قدرة الله تعالى.
- الشرب والرعي: ورد في بعض الروايات أنّ الناقة كانت تشرب يومًا واحدًا من الماء، وترعى باقي الأيام، بينما تشرب بقية الإبل يومًا وترعى باقي الأيام.
- الضخامة والقوة: كانت الناقة ضخمةً وقويةً، حيث ورد أنّها كانت تشرب من بئرٍ لم تكن الإبل تستطيع الشرب منها.
- السرعة: كانت الناقة سريعةً جدًا، حيث ورد أنّها كانت تقطع مسافاتٍ طويلةٍ في وقتٍ قصيرٍ.
- البركة: كانت الناقة مباركةً، حيث كان حليبها يكفي جميع قوم ثمود.
وهناك بعض الروايات التي تصف صفاتٍ أخرى للناقة، مثل:
- لونها: ورد في بعض الروايات أنّ لونها كان أحمرًا.
- عينها: ورد في بعض الروايات أنّ عينها كانت يمّنى.
- حافرها: ورد في بعض الروايات أنّ حافرها كان من ذهبٍ.