ما هي نظرية الإسلام في قصة إبراهيم عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


الإسلام في قصة إبراهيم عليه السلام:

لقد تعددت في القرآن الكريم ذكر لفظة الإسلام باختلاف مفرداتها مع إبراهيم عليه السلام في آيات عديدة، فتجد مرةً لفظة مسلمين ومسلمين، وأسلم وأسلمت وأسلما، فهذا يدل على أن إبراهيم عليه السلام كان خاضعاً مستسلماً لله رب العالمين، وأنه على دين الإسلام وهو كما سبق الحنيفية السمحة، لا كما يدعي اليهود والنصارى أنه على دين غير الإسلام كاليهودية والنصرانية الباطلين.
وكان لا بدّ من تتبع اللفظة في الآيات التي ورد فيها لفظة الإسلام باختلاف مفرداته للتوصل لما يدور من معاني في هذه اللفظة ومدى ارتباطها بالمعنى اللغوي أو الشرعي، وهي مرتبة حسب مرور الأحداث التي حصلت في قصة إبراهيم عليه السلام كما يلي:

  • استسلام إبراهيم عليه السلام في أمر الله له بذبح ولده إسماعيل:
    لقد ابتلى الله إبراهيم عليه السلام بأمور عِظام كما قال تعالى: “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ” البقرة:124. واختلف المفسرون بتفسيرهذه الكلمات، ومن هذه الكلمات ذبح ولد إسماعيل الذي رُزق بعد وقت من حياته عليه السلام، فكانت البشارة الأولى له بعد طلبه عليه السلام من الله الذرية الصالحة، والبآيات تبين مدى استسلام خليل الرحمن عليه السلام عند أمر الله له بذبحٍ ولده كما يظهر في قوله تعالى: “وقالَ إنّي ذاهبٌ إلى ربي سيهدين- ربّ هب لي من الصالحين- فبشرناهُ بِغُلامٍ حليم- فلّما بلغَ معهُ السعي قال يا بُني إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إنّ شاء اللهُ من الصالحين- فبشرناهُ بِغلامٍ حليم- فلمّا بلغ معه السعي قال يا بُنَيّ إنّي أرى في المنام أتي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ افعل ما تؤمرُ ستجدني إنّ شاء الله من الصابرين- فلَمّا أسلّما وتلهُ للجبين- وناديناهُ أن يا إبراهيم- قد صدَقت الرّؤيا إنّا كذلك نجزي المُحسنين- إنّ هذا لهو البلاءُ المُبين- وفديناهُ بذبحٍ عظيم، وتركنا عليه في الآخرين- سلامٌ على إبراهيم كذلك نَجزِي المُحسِنين-إنّه من عبادنا المؤمنين” الصافات:99-111.
  • دعاؤه عند بناء البيت وسبب اصطفاؤه ووصيته بالإسلام:
    يُبين الله لنا في آياته في كتابه الحكيم بسورة البقرة، أن إبراهيم عليه السلام كان يدعو الله عند بنائه للبيت الحرام أن يكون من المسلمين، وأنّ يقبل الله منه ما أمره به من بناءٍ لبيته الحرام كما في قوله تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُرَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” البقرة:127-128. فيظهر في الآيات أن إبراهيم عليه السلام يرجو من الله أن يكون وابنه إسماعيل عليه السلام مسلمين خاضعين له عزّ وجل، وثمة معنى آخر أي أتمم لنا ذلك، فهما كانا مسلمين مستسلمين أثناء دعائهما، وأكرمنا بالإخلاص لك والتسليم لأمرك، ولكن الجميل أنه عليه السلام لم يقتصر في دعائه لنفسه وولده، بل دعا للمؤمنين من ذريته مع دعائه لنفسه ولولده. والإسلام هنا بمعنى الاستسلام والأذعان والانقياد، وهو يحمل معنى الإيمان.
    لقد مدح الله إبراهيم عليه السلام بل واصطفاه؛ لأنه استسلم لله فوراً، فقال الله: “إذ قال له ربّهُ أسلم قال أسلمتُ لِربّ العالمين” البقرة:131. والإسلام في الآية على أكمل الوجوه وأتمها، وإسلام إبراهيم عليه السلام هنا هو الاستسلام لله في كل ما أمر به وقضى.
    قال الراغب: والإسلام في الشرع على ضربين: أحدهما دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان وبه يحقن الدم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل وإياه قصد بقوله: “قالتِ الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا” الحجرات:24. والثاني فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل، واستسلام لله في جميع ما قضى وقدر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله: “إذّ قال لهُ ربّهُ أسلم قال أسلمتُ لربّ العالمين” البقرة:131.
    وفي سورة البقرة تظهر وصية إبراهيم عليه السلام لذريته بالتمسك بدين الله ههو الإسلام فقال تعالى: “وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” البقرة:132. أي وصى إبراهيم بنيه بهذه الملة وهي الإسلام بل كان القول، فلا تموتن إلّا وأنتم مسلمون أي التزموا وأثبتوا عليه ولا تتركوه إلى الموت، فينبغي أن يموتوا وهم محسنون الظن بالله، مخلصون له في الدين، وفي هذا تأكيد على وجوب لزوم الإسلام، فهو دين الله الخالد لا غيره. ولذلك ترك هذه الكلمات في عقبة عليه السلام كما قال تعالى: “وجعلها كلمةً باقية في عقبه لعلهم يَرجِعون” الزخرف:28. والكلمة هي لا إله إلا الله، وكذلك وصى يعقوب بنيه من بعده بهذا الدين، فقال: “أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون” البقرة:133.
  • وصف الله إبراهيم عليه السلام بالإسلام:
    وصف الله إبراهيم عليه السلام بالإسلام في قوله تعالى: “مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” آل عمران:67.
  • وصف بيت لوط بالإيمان والإسلام في حوار الملائكة لإبراهيم عليه السلام:
    حدث حوار بين إبراهيم عليه السلام والملائكه حين أتته تبشرة بإسحاق عليه السلام وكان الأمرالعجيب لإبراهيم عليه السلام وزوجه، أن يرزقا في سن متقدمة، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده، وأمر الله لا ينبغي أن يتعجب منه،ثم سألهم عن سبب مجيئهم؟ فأخبرته الملائكهة أنها أتت لتقضي أمر الله في قوم لوط ،وأن الهلاك محتم عليهم ،فأخبرهم إبراهيم عليه السلام أن فيها مؤمنين فهل تعذب وفيها بيت من المسلمين؟ فأخبروه أن أمر الله مقضي فيهم،وهم يعلمون أن بيت لوط هو البيت الوحيد الذي كان أهله مؤمنين في قريته، وخاصة لوط عليه السلام وابنتيه، وأنهم ناجحون بأمر من الله، وأنهم مخرجون من القرية التي عتت عن أمر الله في مواطن من القرآن منها قولة تعالى: “فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين” الذاريات:35-36.
    ففي الآيتين بيان للفرق بين الإيمان والإسلام؛لاجتماعهما، وفي الآيات بدأ بالإيمان فسمى بيت لوط عليه السلام مؤمنين ثم سماهم مسلمين، وفي هذا دليل على أنهم مسلمون؛ لأن كل مؤمن مسلم وليس العكس، وهذا يثبت الفرق بين اللفظين، وذلك في أن الإيمان اعتقاد وتصديق، والإسلام عمل وتطبيق فبدأ بالإيمان وألحقه العمل.

شارك المقالة: