هجرات إبراهيم عليه السلام:
لقد ولد إبراهيم عليه السلام في منطقةٍ تسمى “أور الكلدانية” وعاشَ فيها مع أبيه وإخوته، وتزوج من سارة، لكن عندما توفي أخيه هاران وهو أبو النبي لوط، فقد أخذ نبي الله إبراهيم عليه السلام أسرته وأخذوا معهم لوط وهاجروا إلى بلاد كنعان، وهي فلسطين، ومروا شمالاً بمنطقةٍ تدعى مجن بابل ومن بعد ذلك إلى حاران وبعدها فقد توجهوا إلى دمشق، ومن ثم بعد ذلك عاد إلى جنوب فلسطين.
– هجرته إلى الشام:
لقد هاجر إبراهيم عليه السلام إلى الشام، بعد أن دعا إبراهيم أباهُ وقومه، وقوبِل بما قوبل به من إلقاء في النار، وظهور المعجزة أمام قومه، فقد قرر عليه السلام أن يُهاجر من بلده العراق، فهاجر ولوط عليه السلام الذي آمن به إلى الأرض المباركة. وذكر هذا في القرآن الكريم فقال تعالى: “فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” العنكبوت:26.
– هجرته إلى مصر:
أما في هجرته إلى مصر فبعد هجرة النبي إبراهيم عليه السلام من الشام فقد سار إلى مصر كما هو واضح في الحديث الصحيح: “هَاجَرَ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ بسَارَةَ، فَدَخَلَ بهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ، أوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ” وهذا الجبار كان على مصر، وقد وهب الجبار هاجر لسارة بعد أن نجاها من الطاغية كما هو واضح في الحديث” فأخدمها هاجر.
رجوع إبراهيم إلى الشام:
وبعد ذلك رجع إبراهيم عليه السلام بسارة ومعها خادمتها هاجر إلى الشام مرةً أخرى، وهناك عرضت سارة على إبراهيم عليه السلام أمتها هاجر، وقالت: إنّا حرمنا الولد، فادخل على أمتي هاجر لعلّ الله يرزقنا منها ولداً، وفعلاً قدّرَ الله أن يُنجب منها إسماعيل عليه السلام. وكانت المعجزةُ الإلهيةُ أن رزقهُ الله الولد في سنٍ كبير، وكان اسماعيل عليه السلام بِكرهُ، والدليل على ذلك من القرآن: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ” إبراهيم:39.
– هجرتهُ إلى مكة:
وعندما رُزق الله إبراهيم عليه السلام الولد، أمرهُ الله أن يأخذ ابنه الرضيع وأمه إلى بلاد الحجاز، ويضعها في وادٍ غير ذي زرعٍ، وامتثل إبراهيم عليه السلام لأمر ربه، فهو المستسلم لأوامره، وهذا ما مدحهُ الله به في كتابه حينما قال عنه: “إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” البقرة:31.
وبعد أن تركها في الوادي لحقت به هاجر تسأله عن سبب تركه لها في هذا الوادي المقفر، كما ظهر ذلك في الحديث الذي رواه البخاري: أَوَّلَ ما اتَّخَذَ النِّسَاءُ المِنطَقَ مِن قِبَلِ أُمِّ إسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَت مِنطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا علَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بهَا إبرَاهِيمُ وبِابْنِهَا إسْمَاعِيلَ وهي تُرضِعُهُ، حتَّى وضَعَهُما عِنْدَ البَيْتِ عِندَ دَوحَةٍ، فَوْقَ زَمزَمَ في أَعلَى المَسْجِدِ، وليسَ بمَكَّةَ يَومَئذٍ أَحَدٌ، وليسَ بهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُما هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِندَهما جِرَابًا فيه تَمْرٌ، وسِقَاءً فيه مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إبرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَقالَتْ: يا إبرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهذا الوَادِي، الذي ليسَ فيه إنس ولَا شيءٌ؟ فَقالَت له ذلكَ مِرَارًا، وجَعَل لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، فَقالَتْ له: آللَّهُ الذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ نَعَم، قالَتْ: إذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَت، فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حتَّى إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعا بهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، ورَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: رَبِّ “إنِّي أَسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ” إبراهيم: 37- حتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ” إبراهيم: 37.
– رجوعه من بلاد الشام:
بعد أن ترك إبراهيم عليه السلام هاجر وابنه اسماعيل في الحجاز، رجع للشام مرةً أخرى وهناك بُشّر سارة واسحاق نبياً بعد أن أصبح كبيراً في السن، كما قال تعالى في كتابه العزيز محدثاً عن إتيان الملائكة بالبشرى، فقال: “وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ – فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ -فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ -قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ” هود:69-73.