وقت وجوب الدية:
لقد اتفق الأئمةِ الأربعة أن دية شبهُ العمد والخطأ تؤخذ مؤجلة على ثلاث سنين، وهذا مروي عن النبي عليه الصلاة والسلام ولقضاء عمر وعثمان رضي الله عنهم بمحضرٍ من الصحابة فكان إجماعاً. وقال الشافعي رحمه الله “ولم أعلم مخالفاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالدية على العاقِلة في ثلاث سنين”، واختلفوا في ميعاد وجوب الدية في العمد على مذهبين كما يلي :
المذهب الأول: الحنفية والمالكية وقولٌ للمالكية: دية العمد كدية الخطأ، تُدفع مؤجلة على ثلاثِ سنوات. وكان دليل هذا المذهب من القرآن الكريم، فقال تعالى: ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ” النساء: 92.
ووجه الدلالة: أن النص وإن ورد بلفظ الخطأ لكن غيره مُلحق به، إلا إنه مجمل في بيان القدر والوصف فبين عليه الصلاة والسلام قدر الدية: ” وإن في النفس المؤمنة مائةً من الإبل “. وبيان الوصف وهو الأجل، ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم بقضية سيدنا عمر رضي الله عنه بمحضر منهم، فصار الأجل وصفاً لكل دية وجبت بالنص.
المذهب الثاني: الأشهر عند المالكية والشافعية والحنابلة: دية القتل العمد تجب حالة. أما دليل المذهب الثاني: الشافعية والحنابلة والأشهر عند المالكية هو المعقول:
– المعقول: دية القتل العمد تجب حالة؛ لانها ديةً كاملة؛ ولأن ما وجب بالعمد المحض كان حالاً، مثل القصاص والأرش.
مناقشة الأدلة والترجيح:
إن أدلة الأحناف وقول المالكية عامة، ليس فيها ما يدل على تأجيل دية العمد إلى ثلاث سنين، وقياس العمد على الخطأ بعيد، ويحتاج إلى دليل يضبطهُ، هذا وإنه لم يثبت دليلٌ من كتاب ولا سنة ولا أثرٍ صحيح عن الصحابة، والذي ذكره الكاساني من قضاء عمر رضي الله عنه في العمد مؤجل في ثلاث سنين غير ثابت، ولم نجد له أثراً في كتب الحديث، وعليه فإن مذهب الشافعية والحنابلة والأشهر عند المالكية القاضي بأن دية قتل العمد تجب حالة الراجح؛ لأنه أبلغ في صيانة الدماء وتعظيمها ودفع الفساد والزجر والردع والقضاء على الجريمة، ويلائم الجاني المتعمد للجريمة.