من المعلوم أنَّه من أغراض القصة القرآنية – هو الهداية إلى الطريق الصحيح في المنهج السماوي ، وقد جمع منهج القصص القرآني أروع مظاهر الجمال الفني البياني الإشراقي ، وقد تجلّت تلك المظاهر بهذه المظاهر :
أ- التكرار :
نُشاهد الكثير من الآيات التي تكررت في أكثر من موضع وهذا المنهج له عدّة فوائد ، فنشاهد أنّ القصة القرآنية تعاد أكثر من مرّة، وأكثر من موطن، بمناسبات متعددة ومواقف مختلفة وجوانب بهدف تلبية أغراض القصة منها
– فائدة التكرار وتناسقة :
نستطيع أن نشاهد جسم القصة القرآنية بمجمله كله لا يٌكرر إلّا نادراً، ولكنّه يتناول التكرار في بعض الحلقات، فيكون إشارات سريعة بهدف العبرة كما تمّ ذكره .
ونلاحظ أيضاً من هذا التكرار متناسق كل التناسق مع السياق العام الذي وردت فيه ، ممّا يجعل القارىء المتأمل لكتاب الله العظيم ، يشعروكأنّه أمام قصة أو خبر لم يسمع به قبل ذلك ، ويفهم الكثير من الفوائد التي لم تخطر على باله .
وهناك الكثير من الأمثلة : ما جاء في قصة سيدنا موسى عليه السلام – مع الطاغية فرعون وقومه، أو مع بني إسرائيل – وهذه القصة من أكثر القصص التي تكررت، ولو تفكرت فيها لوجدت أنّها في كل موضع منها ، أشارت إلى موعظة خاصّة، وعبرة جديدة، اقتضاها السياق القرآني .
- جمال القصة في التكرار :
قصة سيدنا موسى عليه السلام تعتبر نموذج للقصص القرآني – ومثلها الكثير من القصص- فالمتأمل لها بإمعان يجد أنّ التكرار ليس مطلقاً، بل التكرار، أكسب القصة القرآنية جمالاً فنياً وروعة في الأسلوب ، لذلك تشعر أنّ جميع قصص الأنبياء قصّة واحدة، متكاملة مهما تباعدت الديار والأزمان، دعوتهم واحدة وهدفهم واحد ﴿۞ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف ٦٥] ﴿۞ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَـٰلِحࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِیهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِۚ إِنَّ رَبِّی قَرِیبࣱ مُّجِیبࣱ﴾ [هود ٦١] .
ب- العرض بالقدر الذي يحقق الغرض .
تبعاً للغرض الذي سبقت من أجله القصة القرآنية، تجد القرآن الكريم تارة يشير إلى القصّة بكامل تفصيلاتها ، وتارة يكفي بذكر ملخص القصّة، أو يُشير إلى الموضوع إشارة، أو يلخّص القصّة تلخيص، وكل هذه الأمور خاضعة لحلقات القصّة القرآنية.
كما جاء في قصّة سيدنا عيسى عليه السلام والسيدة مريم رضي الله عنها، فإنّ هذه القصص جاءت تفصيلاً دقيقاً بكل الجوانب .
ومن أمثلة ما جاء التوسّط في تفصيله أو اختصر في قصه، ما ذكر عن سيدنا نوح عليه السلام، وكذلك ما قصَّه الله علينا من قصّة هود، وزكريا، وصالح، ويحيى عليهما السلام .
- ومن أمثلة ما اقتصر فيه على بعض المشاهد، أو أكثر من مشهد وقصّة، قصّة أصحاب الجنّة ﴿إِنَّا بَلَوۡنَـٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُوا۟ لَیَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِینَ﴾ [القلم ١٧] وكذلك ما جاء في قصّة سيدنا آدم عليه السلام ونزوله، فلم يتحدث القرآن الكريم عن القصّة بأكثر من ﴿قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِیعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدࣰى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ﴾ [طه ١٢٣] ولهذا المظهر في عرض القصة القرآنية غرض واضح ، إذ من شأن هذا الإسلوب، جمع شتات ذهن القارىء، ويقوم بصرف انتباهه إلى المقصد الأساسي من سرد القصة، ولا يغفل العبرة والعظة التي سيقت من أجلها القصة، لذلك تجدها تنقاد لما انطوت عليه من هداية وتوجيه.
- بث العظات والتوجيهات في سياق القصة:
القصة القرآنية : لا تترك القارىء يتفاعل مع الآيات وينصرف إلى الآيات بكل تفكيره، دون أن تفصل بين ثناياها بفواصل من العبر والعظات، وتبث في جوانب النصائح والتوجيهات، أوتحيط بأطر من الإرشادات التي من شأنها أن تنبهه إلى المقصد الرئيسي من قصّها، وتكون بمثابة قناديل ومصابيح لهدايته، لكي يقف أمامها وقفة الفاحص المتأمل، الذي يغوص في أحداثها.
ومن هذه اللمسات ما جاء في سورة طه ﴿قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ (٤٦) فَأۡتِیَاهُ فَقُولَاۤ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَوَلَاتُعَذِّبۡهُمۡۖقَدۡجِئۡنَـٰكَبِـَٔایَةࣲمِّنرَّبِّكَۖوَٱلسَّلَـٰمُعَلَىٰمَنِٱتَّبَعَٱلۡهُدَىٰۤ (٤٧) إِنَّاقَدۡأُوحِیَإِلَیۡنَاۤأَنَّٱلۡعَذَابَعَلَىٰمَنكَذَّبَوَتَوَلَّىٰ (٤٨) قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا یَـٰمُوسَىٰ (٤٩) قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِیۤ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَیۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ (٥٠)﴾ [طه ٤٦-٥٠]
فالقصّة حوار بين سيدنا موسى عليه السلام والطاغية فرعون حول وجود الله تعالى،لكنّ القصة تتحول من ذكر بعض الحوادث وسرد بعض الأحداث إلى هداية وتوجيه.