من أين ستخرج الدابة؟

اقرأ في هذا المقال


مكان خروج الدابة:

لقد اختلفت الأقوال والآراء في تعيين مكان خروج الدّابة، فمنهم من قال:
أنها ستخرجُ من مكة المكرمة من أعظم المساجد. ويؤيد هذا القول ما رواه الطبراني في الأوسط عن حذيفة بن أسيد أراه رفعه، قال: تخرجُ الدّابةُ من أعظم المساجد، فبينا هم إذ دّبت الأرض، فبينا هم كذلك إذ تصدّعت.
قال ابن عيينة: تخرجُ الدابة حين يسري الغمام جمع، وإنما جعل سابقاً ليُخبر الناس أن الدّابّة لم تخرج.
أن الدّابّة لها ثلاثُ خَرَجات، فمرةً تخرج في بعض البوادي ثم تختفي، ثم تخرج في بعض القرى، ثم تظهر في المسجد الحرام.
لقد روى الطبراني والحاكم عن حذيفة أيضاً، وفيه: أنها تخرجُ ثلاث خرجات، تخرجُ من أقصى اليمن، ثم تخرج قريباً من مكة، ثم تخرجُ من المسجد الحرام بين الركن الأسود وبين باب بني مخزوم. وهناك أقوالٌ أخرى غير ما ذكرناه، وهو أن غالبها يدور على أن خروجها من الحرم المكّي، ولكن الله أعلم بذلك.

ما هو عمل الدابة:

إذا خرجت هذه الدابة العظيمة؛ فإنها ستسمُ المؤمن والكافر. فأما المؤمن، فإنها تجلُو وجههُ حتى يُشرق، ويكون ذلك علامةً على إيمانه بالله تعالى. وأما الكافر؛ فإنها تخطمهُ على أنفهِ، وهذا دلالةً على كفره والعيذُ بالله. فقد جاء في الآية الكريمة قول الله تعالى:”أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ” النمل:82.
ويقولُ نجم الدّين الطوفي في سياقِ بيانهِ لآيةِ النمل إن هذه الدابة من غائبات القرآن الواجب وقوعها، ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإخبارهُ بالغائبات، التي لابد من وجودها.
وفي معنى هذا التكليم اختلفت أقوال المفسرين وقالوا:
إن المراد هو تكلمهم كلاماً؛ أيّ أنها تخاطبهم مخاطبةً، ويدّلُ على هذا قراءة أُبي بن كعب رضي الله عنه” أيّ إنها تنبئهم”.
أنها تجرحهم، ويؤيد ذلك قراءة تكلمهم، بفتح التاء وسكون الكاف، من الكلم، وهو الجَرح، وهذه القراءة مرويةً عن ابن عباس رضي الله عنه، “أي أنها تَسمهم وسماً”. وهذا القول يشهد له حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:” تخرجُ الدّابة، فتسم الناس على خراطيمهم” رواه الإمام أحمد. وروي عن ابن عباس أنه قال:” كلّا تفعل” أيّ المخاطبة والوسم.
قال ابن كثير: وهو قولٌ حسن، ولا منافاة، والله أعلم. وأما الكلام الذي تخاطبهم به، فهو قولها: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. وهذا على من قراءة من قرأها بفتح همزة إن أيّ: تخبرهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، وهذه قراءة عامة قراء الكوفة وبعض أهل البصرة. وأما قراءةً عامة قراء الحجاز والبصرة والشام، فبكسر همزة إن على الاستئناف، ويكون المعنى: تكلّمهم بما يسوؤهم، أو ببطلان الأديان سوى دين الإسلام. قال ابن جرير: إن الصواب من القول في ذلك إنها قراءتان متقاربا المعنى، مُستفيضتان في قراءة الأمصار. تفسير الطبري.
والذي يؤيّد أن هذه الدّبة تنطقُ وتخاطب الناس بكلام يسمعونه ويفهمونه هو أنه جاء ذكرها في سورة النمل، وهذه السورة مَشاهد وأحاديثُ بين طائفة من الحشرات والطير والجنّ وسليمان عليه السلام، فجاء ذكر الدّابّة وتكليمها الناس متناسقاً مع مشاهد السورة وجوها العام.
قال أحمد شاكر رحمه الله: والآية صريحةٌ بالقول العربي أنها دابّة، ومعنى الدّابة في لغة العرب معروفٌ واضحٌ، لا يحتاج إلى تأويل، ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه الدّابة الآية، وأنها تخرج آخر الزمان، ووردت آثار أخرى في صفتها لم تنسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم المبلّغ عن ربه، والمبيّن آيات كتابه، فلا علينا أن ندعها، ولكن بعض أهل عصرنا، من المنتسبين للإسلام، الذين فشا فيهم المنكر من القول والباطل من الرأي، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب، ولا يريدون إلا أن يقفوا عند حدود المادة التي رسمها لهم معلّموهم وقدوتّهم، ملحدو أوروبا الوثنيون الإباحيون، المتحللون من كل خلق ودين، هؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكاراً صريحاً، فيجمجمونَ، ويُحاورون، ويُداورون، ثم يتأوّلون، فيخرجون بالكلام عن معناه الوضعي الصحيح للألفاظ في لغةِ العرب، يجعلونه أشبه بالرموز، لما وقر في أنفسهم من الإنكار الذي يُبطنون.
ثم إن خروج الدابّة ومغايرَتها لحالِ الحيوانات من خلالِ حديثِها مع الناس حقيقٌ أن يجعلها من آيات الله الكبرى، ومن البعض الذي قال الله فيه:“هل ينظرون إلا أن تأتيهم المَلائكةُ أو يأتي رَبُكَ أو يأتي بعضُ آياتِ رَبّكَ يومَ يأتِي بعضُ آياتُ ربك لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تَكُن آمنتُ مِنَ قبلُ أو كَسبت في إيمانها خيرٌ“الأنعام:158.


شارك المقالة: