من الذي يصح منه اليمين:
يصحُ اليمين على من توافرت فيه الشروط التالية ومنها ما يلي:
- التكليف: فلا بدّ أن يكون الحالف بالغاً عاقلاً، ولهذا لا يصح يمين الصغير مميزاً كان أو غير مميز، وأيضاً لا تصح يمين المجنون؛ لأنه غير مخاطب بالأحكام الشرعية ولا النائم أثناء نومه، فلا يترتب على كلامه أثناء نومه أي حكم. ومن جملة ذلك قسمهُ وهو نائم، فإنه لا يصح ولا ينعقد.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يصحو، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يكبر” رواه الإمام أحمد في مسنده. - الاختيار والإرادة: ولا يعتبر للحالفِ يمين إلاّ إذا أقسم بملء إرادته وحريته، ولم يقع تحت ضغط الإكراه، ولو أكره أحد على حلف يمين من الأيمان، فإنها لا تصح. وخالف الحنفية ومالك فقالوا: المكره منعقد وتجب فيها الكفارة إذا حنث. فقد روى الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”. هذا الحديث صحيح.
وبناءً على ما تقدم فإن أيمان البيعة التي كانت تؤخذ من الناس بالإكراه، فإنها لا تعد أيماناً، وليست ملزمة لمن أعطاها مكرهاً، ولا كفارةً عليه إن حنث فيها. - القصد: لا تقع يمين القصد إلا إذا كان الحالف قاصداً فيها، أما إذا كان غير قاصد، فتكون اليمين في هذه الحالة لغواً لا تنعقد، وليس عليها كفارة. فقال تعالى: “لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ “المائدة:89.
- الإسلام: اشترط هذا الشرط الإمام أبو حنيفة وأصحاب الرأي والنووي فقالوا: لا تصح اليمين من الكافر، ولا تنعقد له يمينٌ أصلاً. واحتجوا بأن الكافر ليس من أهل التكليف، إذ المخاطبون هنا في الآيات التي مرت سابقاً هم المؤمنون. وقالوا أيضاً أن اليمين تعظيم لله سبحانه وتعال، والكافر ليس معظماً له سبحانه، ولو كان معظماً له لما أشرك به، إذ أنه لا تعظيم مع الكفر. والكافر ليس أهلاً للكفارةِ؛ لأن الكفارة هي عبادة، وتَتأدى بالصوم وليس الكافر من أهلها وقالوا: إن اليمين تبطل بالردة، فلو أسلم بعدها، لا يلزمه حكمها؛ لأن الردة تبطل الأعمال.
الأدلة من القرآن والسنة:
لقد ذهب فريق من الفقهاء إلى أن الإسلام ليس شرطاً لصحة اليمين، وقالوا: إن يمين الكافر صحيحة ومنعقدةٌ وتلزمه الكفارة إن حَنث. ومن هذا الفريق فقد استدلوا بالقرآن والسنة.
أما القرآن: فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ” المائدة:106. فهذه الآية تفيد أن الكافر من أهل القسم.
أما في السنة: ففي الحديث ترى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد طلب اليمين من تميم الداري وعدي بن بداء يوم أن كانا نصرانيين كافرين، ولولا أن يمين الكافر منعقدة لما استَحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتجوا أيضاً هؤلاء بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف بالمسجد الحرام، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام الوفاء به.