من علامات الساعة – الذبذبة بين الإيمان والكفر:
أولاً: قال الله تعالى: “أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ” النور:40.
ثانياً: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:” بادروا بالأعمالِ فتناً كقطعِ الليل المُظلم يُصبح الرّجل مؤمناً، ويُمسي كافراً، أو يُمسي مؤمناً، ويُصبح كافراً يبيعُ دينهُ بعرضٍ من الدنيا”.
شرح ما يلي:
– إنّ الآية الكريمة فيها مثال لقلب الكافر في فتن الشبهات التي أظلمت عليه من كل جانب بما لا يستطيع من خلالها أنّ يميز أو يستبين طريق الحق، ومثله كمثل رجل في بحر هائج متراكب الأمواج في يوم غائم أسود قاتم، لشدة سواده لا يكاد يبصر خلاله أقرب الأشياء إليه وهي يده، ومن لم يستطع إبصار يده كيف سيستبينُ طريق النجاة.
– أما الحديث فيُشير إلى فتن شديدة مزيج من الشبهات المتراكمة والمزينة بالشهوات ستقع بها الأمة لا تستبين أفراد منها سبيل الحق فتختلط عليها بعض الأمور بين الحق والباطل، ويترتب على اختلاط الأمور وقوعها في الكفر تارة، ورجوعها إلى الإيمان تارة أخرى، وقد وصفت هذه الفتن بقطعِ الليل المظلم للدلالة على حال أهلها، فكما لا يستبين الإنسان الأمور، وتختلط عليه الأشياء في الظلام الدامس، كذلك لا يستبين الحق من الباطل في ظل إحكام الفتن، وانتشار سحبها القائمة على بصيرة القلوب.
– الحديث أيضاً يُرشد إلى العلاج من هذه الفتن، وهو الإكثار من الأعمال الصالحة التي تكون نوراً لصاحبها، فإذا اشتدت ظلمة الفتن ظهرت بركة هذا النور في استبانة طريق النجاة، ومن المعلومِ بأنّ للحسنة ضياءٌ في الوجه ونوراً في القلب، فإذا غيمت سحب الفتن على القلوب انقشعت بإذن الله بقدر قوةٍ وسطوع شمس الحسنات في قلب المؤمن، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، فلينتبه المؤمن في هذا الزمان لهذا البلسم النبوي الشافي.
– ويُلاحظُ أيضاً من سياق الحديث مدى شدة هذه الفتن وقوة تأثيرها، وفيه إشارة إلى ضعف الإيمان لدى الكثيرين في هذه المرحلة وذلك لدرجة عدم قدرتهم على الثبات على الإيمان مدة أربع وعشرين ساعة، ممّا يُشير إلى أن هذه الفتن تكون ملازمة للناس صباحهم ومَساءهم، ولعلّ في الحديث إشارةً إلى فتن الإعلام التي يصدق عليها هذا الوصف، فهي الأكثر ملازمة للأفراد، بحيثُ إنها دخلت حتى غرف النوم، وهي الأكثرُ تأثيراً على القلوب، والأوسع استخداماً في إثارة الشبهات والخلافيات والشهوات، فكم من صريعٍ لها ، وكم من متذبذب بين ذا أو ذاك، وكم من متقلب بفكرهِ وهمومهِ ومعتقداتهِ بسببها.