من علامات الساعة – انتشار الفرق الضالة:
أولاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “تفرقتِ اليهودُ على إحدى وسبعين أو اثنتينِ وسبعين فرقةٍ والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةٍ”. أخرجه أبو داود في السنة.
وفي روايةٍ أخرى “قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي”. أخرجه الترمذي.
ثانياً: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قام فينا فقال: ألا إنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قام فينا، فقال “ألا إنَّ مَن قبلَكم من أهلِ الكتابِ افتَرقوا على ثِنتين وسبعين مِلَّةً، وإنَّ هذهِ المِلَّةَ ستَفترِقُ على ثلاثٍ وسبعين: ثِنتانِ وسبعونَ في النَّارِ، وواحدةٌ في الجنَّةِ، وهيَ الجماعةُ وإنَّهُ سيخرجُ من أُمَّتي أقوامٌ تَجارى بِهم تلكَ الأهواءُ كما يَتَجارى الكَلبُ لصاحِبِه، لا يَبقى منه عِرْقٌ ولا مِفصلٌ إلَّا دخلَه” أخرجه أبو داود في صحيحه.
شرح الأحاديث التالية:
– إنّ الحديث برواياته يُشير إلى تفرق الأمة بعدد تفرق اليهود والنصارى ويزيدون عليها بفرقةٍ واحدة وهي الطائفة المنصورة القائمة على الحق إلى يوم القيامة كما وضحت بعض الأحاديث.
– ويُلاحظ أنّ هذه الأحاديث أيضاً يشهدُ لها حديث تتبع الأمةِ لسننِ اليهود والنصارى السابق؛ أي هو نتيجةً لازمة له؛ أي ما دامت الأمة ستتتبعُ طرائق اليهود والنصارى في كلّ صغيرةٍ وكبيرة، فلا بد أن يترتب على ذلك أنّ يحصل بها التفرق الحاصل بهم بنفس الوصف، وما دام تفرقَ اليهود والنصارى قد ثبت ذمهُ وبيان أن أهل النار، إذا كل تفرق يحملُ هذا الوصف لا بدّ أن يترتب عليه نفس النتيجة، وهي الفرقة الناجية التي بين النبي عليه الصلاة والسلام المراد بها بقوله: ما أنا عليه وأصحابي، وهم الغرباء.
– إن الفُرقة المقصودة في الحديث هي كل تفرقٍ في أصل الدين ثبتَ بدليلٍ قطعي كفر مُعتقدهُ، أما الاختلاف في فروع الدّين أو في الاجتهاد، أو في طرق العمل للدين مع الاتفاق على أصول الدين فلا يدخل ضمن التفرق المذموم، حتى وإن كان عدم وجوده أولى؛ وذلك لحصوله في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد خلفائه الراشدين دون إنكار عليه، بل طبيعة الرسالة تقتضي وقوع هذا الاختلاف في الفهم، وعليه يمكن اعتبار أهل السّنة والجماعة على اختلاف مذاهبهم واجتهاداتهم يدخلون ضمن الفرقة الناجيّةِ.
– لقد اختلفت المذاهب في توصيف المراد بتلك الفرق، فإنّ بعضهم كان ينظر إلى كل صاحب مقالةٍ مخالفةٍ للسنة والجماعة بأنه فرقة من الفرق، ووفقاً لهذا المذهب اعتبر هؤلاء أن كل الفرق قد وقعت في العصور الأولى حيث عدوا من فرق الشيعة عشرين فرقةٍ ومن فرق المعتزلة عشرين، ومن الخوارج عشرين فرقةٍ كما صرحَ كتب الفرق مثل الملل والنحل للشهرستاني، وكتاب الفرق بين الفرق للبغدادي، ولو ارتضينا هذا التقسيم لوجدنا أنّ الفرق الضالة في الماضي والحاضر تربو على المائة. فالبعض اقتصر على ما أجمع العلماء على تفكيره أو ضلاله من الفرق المارقة واعتبر كلّ أصحاب المقالات المتفقةِ في أصولها فرقة، وهذا الرأي هو الذي رجحهُ البعض.
– لا يوجد اتساعٍ في هذا المجال لتتبع جميع الفرق الضالة، إلا أنه يمكن القول أنّ كل أتباع مدعي النبوة أو الألوهية، وهم كثر ممن كانت أصولهم إسلامية يدخلون في الفرق الكافرة، وهذا الأمر وجد في فرق عدة مثل السبيئةِ والخطابية من الشيعة والبابيّة والقاديانية، ويُضاف كل من الفرق الباطنية التي نسفت كل تعاليم الإسلام رأساً على عقب، وذلك مثل القرامطة والاسمَاعيليين والنَصيريين والدروز، ويُضاف إليها الفرق أصحاب معتقد الحلول والاتحاد من الصوفية وأشباههم، ويُضاف إليها كل المذاهب الفكرية المعاصرة المخالفة صراحةً لتعاليم الإسلام، والتي انتشرت في بلاد المسلمين مثل العلمانية والشيوعية والقومية، فكل أتباع هذه الفرق ممن يعتقد معتقدها مع مخالفته صراحةً لأصول الدين الإسلامي، فهو يدخل ضمن الفرق الضالة.
– يقول عبد القاهر الجرجاني مُبيناً ضابط الحكم على الفرق التي انتشرت في العالم: فإنّ كل بدعةٍ الباطنيةِ أو البيانيةِ، أو المغيرية، أو الخطابية الذين يعتقدون إلهية الأئمة، أو إلهية بعض الأئمة، أو كان على مذهب الحلول، أو على بعض مذاهب أهل التناسخ، أو على مذهب الميمونيةِ من الخوارج الذين أباحوا نكاح البنات وبنات البنين، أو على مذهب اليزيدية من الإباضية في قولها بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان، أو أباح ما نص القرآن على تحريمهِ، أو حرم ما أباحهُ الله نصاً لا يحتمل التأويل، فليس من أمة الإسلام ولا كرامة له، وإنّ كانت بدعتهُ من جنس بدع المعتزلة، أو الرافضة الإمامية، أو اليزيدية، أو من بدع النجارية أو الجهميةِ أو الضرارية أو المجسمة فهو من الأمة في بعض الأحكام: وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين، وفي أن لا يمنع حظه من الفيء والغنيمة إنّ غزا المسلمين، وفي أن لا يمنع من الصلاة في مساجد المسلمين، وليس من الأمة أحكام سواها، وذلك أن لا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه، ولا تحل ذبيحته، ولا نِكاحه لامرأة سنية، ولا يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم.