معاني جمع القرآن وترتيبه

اقرأ في هذا المقال


مفهوم جمع القرآن:

يُراد بجمع القرآن والمقصود به عند علماء هذا الفن  أكثر من معنى، المعنى الأولى: جمعه بمعنى حفظه، وحفاظ القرآن: من قام بجمعه، وهذه المعاني هي التي وردت في قوله تعالى في خطابه لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد كان يحرِّك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا نزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصًا على أن يحفظه: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ, إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ, فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ, ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .

جاء عن ابن عباس قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرِّك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ, إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: يقول إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم نقرأه: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يقول: إذا أنزلناه عليك: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستمع له وأنصت {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أن نبينه بلسانك. وفي لفظ: علينا أن نقرأه، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق – وفي لفظ: استمع- فإذا ذهب قرأه كما وعد الله.

المعنى الثاني: جمع القرآن والمعنى بذلك كتابة كلام الله تعالى كاملاً، وتكون الآيات والسور مفرقة في أكثر من وقت ، ويكون على نحو مرتب الآيات ، وتكون كل سورة، في صحيفة على حدة، أو مرتب الآيات والسور في صحائف مفرقة تضم السور جميعًا وقد رُتِّب إحداها بعد الأخرى.

جمع القرآن بمعنى حفظه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

كان النبي صلى الله عليه وسلم- متعلق بالوحي، ينتظر نزول الوحي عليه بلهفة وشوق شديد، فيحفظه ويفهمه، مصداقًا لوعد الله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} , فكان بذلك أول الحُفَّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة، شغفًا بأصل الدين ومصدر الرسالة، وقد نزل القرآن في بضع وعشرين سنة، فربما نزلت الآية المفردة، وربما نزلت آيات عدة إلى عشر، وكلما نزلت آية حُفِظت في الصدور، ووعتها القلوب، والأمة العربية كانت بسجيتها قوية الذاكرة، تستعيض عن أميتها في كتابة أخبارها وأشعارها وأنسابها بسجل صدورها.

وقد جاء في صحيح البخاري عدة روايات عن سبعة من كبار حفاظ القرآن، وهم: عبد الله بن مسعود، وسالم بن معقل مولى أبي حذيفة، وسيدنا معاذ بن جبل، وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد بن السكن، وأبو الدرداء.

  • الحديث الأول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأُبَيِّ بن كعب” وهؤلاء الأربعة: اثنان من المهاجرين هما: عبد الله بن مسعود وسالم، واثنان من الأنصار هما: معاذ وأُبَي.
  • الحديث الثاني: وعن قتادة قال: “سألت أنس بن مالك: مَن جمع القرآن على عهد رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أربعة، كلهم من الأنصار: أُبَي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: مَن أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي“.
  • الحديث الثالث: ورُوِي من طريق ثابت عن أنس كذلك قال: “مات النبي – صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد“.

جمع القرآن بمعنى كتابته على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:

اتخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجال من أصحابه الكرام يكتبون للوحي من أجلَّاء صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كسيدنا علي، ومعاوية، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها، حتى تُظاهِر الكتابة في السطور، الجمع في الصدور. كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداء من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخطونه في العسب، واللِّخاف، والكرانيف، والرقاع، والأقتاب، وقطع الأديم، والأكتاف، عن زيد بن ثابت قال: “كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نُؤلِّف القرآن من الرقاع.

وكان جبريل يعارض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن كل سنة في ليالي رمضان، عن عبد الله بن عباس, رضي الله عنهما: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”.

وكان الصحابة يعرضون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لديهم من القرآن حفظًا وكتابة كذلك، ولم تكن هذه الكتابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مجتمعة في مصحف عام، بل عند هذا ما ليس عند ذاك، وقد نقل العلماء أن نفرًا منهم: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود – قد جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر العلماء أن زيد بن ثابت كان عرضه متأخرًا عن الجميع.
وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق، والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الصحف ، مفرَّق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط وكل سورة في صحيفة على حدة، بالأحرف السبعة الواردة، ولم يُجمع في مصحف عام، حيث كان الوحي يتنزل تباعًا فيحفظه القراء، ويكتبه الكتبة، ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر، وقد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول بل تُكتب الآية بعد نزولها.
حيث يشير -صلى الله عليه وسلم- إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا في سورة كذا، ولو جُمع القرآن كله بين دفتي مصحف واحد لأدى هذا إلى التغيير كلما نزل شيء من الوحي، قال الزركشي: “وإنما لم يُكتب في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مصحف لئلا يُفضي إلى تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم”

وروي عن سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: “قُبِضَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن القرآن جُمع في شيء” أي لم يكن جُمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد، قال الخطابي: “إنما لم يجمع -صلى الله عليه وسلم- القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر ويسمى هذا الجمع في عهد النبي, صلى الله عليه وسلم.



شارك المقالة: