الناجون من قوم ثمود:
إنّ الله تعالى وعد رسله وأتباعهم بالنجاة في الحياة الدنيا، والفوز بالجنان في الآخرة، فالّذين آمنوا مع الرسل عليهم السلام كانت لهم النجاة في الدنيا من العذاب والهلاك الذي أنزله الله بمن كفر من القوم وتمردهم على على أنبياء الله فكانت النجاة حليف المؤمنين، لذلك عندما عندما أنزل الله العذاب بقوم ثمود بعد قتلهم الناقة وتكذيب صالح عليه السلام في دعوته، نجى الله نبيه صالحاً والمؤمنين معه برحمة منه عزو جل قال تعالى: “فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ” هود:66.
قال الطبري في تفسيره في قوله: “فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا” فيقول بنعمة وفضل منه.
لقد النسفي في تفسيره: ونجيناهم من خزي يومئذ، أي من ذله وفضيحته، ولا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه وعذابه الأليم: “إنّ ربّك هو القوي” القادر على تنجيةِ أوليائه، وإهلاك أعدائه “العزيز” الغالب بإهلاك أعدائهِ. وقد ذكر سيد قطب: فلما جاء موعد تحقيق الأمر- وهو الإنذار أو الإهلاك، نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا، وهي رحمةً خاصة من الله تعالى ومباشرة، نجيناه من الموت ومن خزي ذلك اليوم، فقد كانت ميتةَ قوم ثمود ميتةً مخزية ومؤلمة، وكان مشهدهم جاثمين في دورهم بعد الصاعقة المدوية التي تركتهم موتى على هيئتهم مشهداً مخزياً مروعاً. “إنّ ربّك هو القوي العزيز” أيّ يأخذ العتاه أخذاً ولا يعز عليه أمر، ولا يعز عليه أمر، ولا يهون من يتولاه ويرعاه.
ذكر السعدي: “فلّما جاء أمرنا” بوقوع العذاب. وقال تعالى: “نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ” أي نجيناهم من العذاب والهلاك الذي أنزله الله بقومه، ومن الخزي والفضيحة. وقال تعالى: “إنّ ربّك هو القويّ العزيز” ومن قوته وعزته أن أهلك الأمم الطاغبة ونجى الرسل، وأتباعهم المؤمنين بهم.
وقد أشار المُراغي في تفسيره إلى تلك التنجية من العذاب: أي فلما جاء قوم ثمود العذاب، أي فلما جاء قوم ثمود العذاب والهلاك، نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحتةٍ خاصة منا، ونجيناهم من عذاب ذلك اليوم ونكاله باستئصالهم من الوجود وبما يتبعه من سوء الذكر والطرد من رحمة الله، ثم بين الله تعالى عظيم قدرته على التنكيل بأمثالهم من المشركين، فقال تعالى: “إنّ ربّك هو القوي العزيز” أي أن ربك يا محمد الذي فعل هذا بهم قادر أن يفعل مثل ذلك بقومك إذا أصروا على الجحود، إذ لا يعجزهُ شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الغالب على أمره.
فالإيمان بالرسل وحده لا يكفي، فيجب على المؤمن أن يصدق ويزكي هذا الإيمان بالتقوى، كما أخبر الله تعالى عندما نجى صالحاً والذين آمنوا معه، واتقوا أي صدق إيمانهم بالعمل، وكانوا ممن كان يتقي عذاب الله وعقابه الذي سيقع بالكفارمن ثمود. فقال تعالى: “وأنجَينَا الّذينَ ءامَنُوا وكانُوا يتقون” النمل:53.
وذكر الطاهر ابن عاشور في تفسيره: وقد أنجى الله تعالى نبيه صالحاً عليه السلام والذين آمنوا معه وذلك أن الله أوحى إليه أن يخرج ومن معه من أرض الحجر الواقعة في شبه الجزيرة العربية باتجاه الشام وخاصة إلى أرض فلسطين حين أنذر قومه بتمتع ثلاثة أيام.
وذكر سيد طنطاوي في تفسيره: وأنجينا من العذاب والهلاك، بفضلٍ منا، أي من الله وإحساناً منه، نبي الله صالحاً عليه السلام، والذين آمنوا معه واتبعوه من قومع، وكانوا يخافون عذاب الله الذي سينزل بالكفار من قوم ثمود. وقد أشار أبو السعود في تفسيره: ونجى الله تعالى نبيهُ صالحاً عليه السلام ومن معه من المؤمنين الذين كانوا يتقون ويخشون من الوقوع في الكفر والمعاصي اتقاء مستمراً، فلذلك خُصوا بالنجاة.
ويُلاحظ الباحث بعد هذا السرد للآيات الكريمة، وأقوال المفسرين أن الله عزّ وجل نجى نبيه صالحاً عليه والذين آمنوا معه من العذاب والهلاك الذي وقع بقوم ثمود، وقيل أن الله أمر نبيه صالحاً بالخروج من منطقة الحجر الواقعة بين الحجاز والشام باتجاه أرض فلسطين خلال الثلاثة أيام التي كانت قبل وقوع العذاب حتى ينجوا صالح والمؤمنين معه من خزي ذلك االيوم وما بعده، وكانت النجاة بفضل من الله عزّ وجل ورحمة منه وإحساناً منه للذين آمنوا وخافوا من الوقوع في الكفر والمعاصي، واتقوا عذاب الله عزّ وجل بذلك كانت النجاة لهؤلاء القلة من القوم.