ما هي أشكال الوسوسة في قصة آدم عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


أشكال الوسوسة في قصة آدم عليه السلام:

الموسوس:


قال الله تعالى: “فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَوَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ” الأعراف:20-21.
وقال تعالى: “فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ” طه: 120. وقال تعالى أيضاً: “فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ” البقرة:36.
فالآيات السابقة تدلّ على أن الوسوسة إنما كانت من الشيطانِ مباشرة في الأولى كان لآدم وزوجه، وفي الثانية لآدم وفي الثالثة لهما معاً، فالشيطانُ هو من قام بالوسوسةِ دون غيره. وقد خالف الكتاب المقدس ما جاء في القرآن الكريم، إذا أن القرآن ذكر أن الذي قامَ بالوسوسةِ هو إبليس، في حين ذكر الكتاب المقدس أن الحية هي التي قامت بهذا الدور، وليس في القرآن ذكرٌ للحية وليس لها أيّ دورٍ في ذلك، بل أن كل ما جاء من آثار عن بعض الصحابة والتابعين، وما هي إلا روايات إسرائيليةٌ مستقاةٌ من التوراة دخلت إلينا ممن أسلم من أهل الكتاب والحية المذكورة في الكتاب المقدس هل هي حيةٌ حقيقية قامت بهذا الدور أم أنها مجازٌ عبّر عنه بالحية كناية عن الشيطان.
لقد قال البعض إنّ الحية هي عبارة عن الشيطان قد استخدم الحية وتكلم بلسانها جاء في سفر التكوين، وكانت الحية أحيلُ جميعُ حيوانات البرية التي عملها الرب الألهُ، فقالت للمرأة أحقاً قال الله لا تأكلا من شجر الجنة، وقال: فقال الرب الألهُ للمرأة ما هذا الذي فعلت، فقالت المرأةُ الحية غَرتني فأكلتُ.
يقول مفسرو سفر التكوين، والشيطان الذي ظهر للمرأة في شكل حية رفيعة ماشية على قدميها ليس هو الحية بل لبس الحيةِ ودخلَ فيها. ويقول جَايمز رِكلاند من علماء اللاهوت: إن سبب الخطيئة هو الشيطان، وكما أن الله تعالى يُحب الصلاح والبر هكذا يحب الشيطان الشر أخذ إبليس شكل الحية لكي يُجرب حواء.
وقد خالف بعضهم أن تكون الحية مجازاً عن الشيطان أو أن الشيطان استخدم الحية واعتبروا أن الحية حقيقة وأنها فعلاً هي من قامت بإغواء حواء ولذلك كان العقاب مُسلطاً على الحية بلعنها وإزالة قوائمها الأربعة وهذا ما أكدّ عليه سِفر التكوين، فقال الرب الإله للحية لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين تراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عدواهُ بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه.
فسياقُ هذا الكلام يدلُ على أن الحية حقيقة، وهو ما أومَا إليه عقاب الحية من إزالة القوائم والأكل من الأرض والعداوة بينها وبين الإنسان، كل ذلك يؤكد أن لا مجال للمجاز هنا. يقول محمد وصفي تعتقد اليهود أن الحية هي التي خدعت آدم وامرأته لا إبليس، وجاء كلامهم بحيث لا يمكن أن يؤول بغير ذلك، فقد ذكرت أن الحية لما عاقبها اللهُ بأن أفقدها الأرجل على زعم أنها كانت تمشي على أرجل، وعاقبها بأن حكمَ عليها بأن تتغذى على التربة هذا مع العلم بأن الحيات والثعابين لا تعيش على التراب، وإنما تعيشُ على ما تأكله من الحيوانات الصغيرة كالأسماك والضفادع والحمام الصغير والبيض والفئران وما شابهها، وقد وصف اليهود الحية وصفاً لا يمكن حملهُ على المجاز.

الموسوس إليه:


إن الآيات التي تحدثت عن الوسوسة كانت الأولى عن وسوسة الشيطان لآدم وزوجه لهما، والآيةُ الثانية كانت الوسوسة لآدم وحده إليه، والثالثة كانت لآدم وزوجه وأنهما مع بعضهما قد زلَهما الشيطانُ. فآدم وحواء يتحملان المسؤولية في الأكل من الشجرة: “فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطَفِقا يخسِفان عليهما من ورق الجنة” طه:121. فسياقُ الآيةِ تدلُ على أن المبادرة للأكل كانت من آدم وزوجه على السواء، فأكلا، وطفقا وفأزلَهما.
غير أن بعض المفسرين وكُتاب التاريخ قد اقتبسوا رواية التوراة وحمّلوا حواء الخطيئة واتهموها بغوايةِ آدم، فجارى المفسرون وكتاب التاريخ روايات اليهود والنصارى في ذلك، وحملّوا حواء خطيئةً لم ترتكبها. ومن أغرب هذه الروايات ما رواه الثعلبي عن سعيد بن المُسيب أنهُ يحلفُ بالله لا يستثني أن آدم ما أكل من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته الخمر حتى سكر، ثم قادتهُ إلى الشجرة فأكل منها.
لقد رد العلماء هذه الرواية واعتبروها رواية باطلة قال سبط ابن الجوزي، والعجيب في حكاية الثعلبي مثل هذا عن سعيد بن المسيب، وهو إمام وقته في العلم والزهد والورع والتحرز في أقواله عن مثل هذا، وقد اتفق العلماء على أن خمر الجنة لا يسكر ولا يُذهب العقول، فقال تعالى: “لا يَصدَعونَ عنها ولا ينزفون” الواقعة:19.
ولقد حاول أغلبية الذين تنبأوا بأن تكون حواء هي أول من أكلت، والاستدلال بأحاديث لا تدل من قريبٍ أو بعيد على ما ذهبوا إليه، مثل الحديث الذي ورد في الصحيحين رواه أحمد عن أبي هريرة: “لولا بني إسرائيل لم تخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها” إن الحديث ليس فيه ما يدلُ على أن حواء أكلت من الشجرة أو أطعمت زوجها، والحديث يحتمل أمور أخرى غير هذا الوجه الذي استدلوا به فإنه بعيدٌ جداً. بل آدم هو المُمبادر الأول للأكلِ من الشجرة، وهذا ما ورد صراحة في أكثر من موضع من القرآن والسنة، وإن كانا هم الاثنين قد ولغا في المعصيةِ لكن الذي ابتدأ هو آدم، وهو الذي يتحملُ المسئولية ولم يرد في القرآن ما يدلُ على أن حواء هي التي أغرت آدم.
قال تعالى: “فوسوسَ إليه الشيطان قال يا آدم” طه:120. وقال تعالى: “ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسيَ ولم نجد له عزماً” طه:115. وقال تعالى: “وعصى آدم ربهُ فغوى ثم اجتباهُ ربّهُ فتابَ عليه وهدى” طه:121-121.
إن الآيات واضحةً وصريحة الدلالة على أن آدم هو الموسوس إليه، وهو الذي نسي وهو الذي عصى، فكيف تُحمل حواء وزراً لم ترتكبهُ، ولم تنص عليه آية من قرآن أو سنةٍ صحيحة، بل إن السنة أيضاً جاءت فيها جميع الأدلة واضحةً وصريحة على أن آدم هو الذي عصى، كما جاء في الصحيحين وفي سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد في حديث المحاجة التي نُحاجج فيها آدم، “يا موسى أنتَ اصطفاك الله برسالتهِ وبكلامهِ أتلومني على أمرٍ قد كتبه الله على قبل أن يخلقني” صحيح البخاري.
وهناك أمثلة كثيرة من الأحاديث، ومنها حديث الشفاعة عندما يذهبُ الناس إلى آدم ليشفعُ لهم عند الله فيقول لهم: “ربي غضب غضباً لم يغضب قبله ولا يغضب بعده قبله ونهاني عن الأكل من الشجرة فعصيتُ نفسي نفسي” صحيح البخاري.



شارك المقالة: