الممتحنة وما هي قصتها ولماذا ذكرت في القرآن:
هناك قصة أخرى من قصص القرآن الكريم وذكرت في سورة الممتحنة، فالممحنة: هي الفتاة التي آمنت بربها وصدقت في إيمانها وإخلاصها لله تعالى ولنبيه الكريم وهي التي جعل الله تعالى لها استثناء يخصها بعدما مُنع أغلب الناس من أن يهاجروا وراء النبي عليه الصلاة والسلام بعد صلح الحديبية، واسمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
إن عقبة بن أبي معيط، هو رجل كان يطلقون عليه قومه اسم “أشقى القوم”؛ وذلك لأنه قام بيوم من الأيام بإذاء النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يرمي وسخ الغنم وأحشائها على ظهر النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان يصلي في مكة المكرمة، وهو الرجل الذي قام بلف ثوبه على عنق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي حتى وقع مغمى عليه، فقد كان دائم الإيذاء بالنبي وبأمة الإسلام، وأنه كان رجل سيء لا يعرف الله وكان يحاول دائمًا أن يلحق الأذى بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله له ابنة مؤمنة بالله تعالى وتسير على منهج الإسلام.
لقد كانت أم كلثوم فتاة قريبة من الله تعالى ورسوله وكانت تحب العلم ومُلمّة به وتتصف بأنها صاحبة عقل حكيم وأخلاقٍ عالية وجمال لافت. فقد كانت كاتمة لإسلامها عن والدها عقبة؛ لأنها تعلم أن أباها مجرم وخافت على نفسها أن يقتلها.
وعندما جاء موعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كانت أم كلثوم ترغب في الهجرة معهم؛ لكنها خشيت أن يقتلها أبوها وأخواتها، فكتمت في نفسها وصبرت على ما حدث. ومع مرور الزمن وقعت غزوة بدر وقُتل والدها فمات على كفره وضلاله في تلك الغزوة، وبقيت هي صابرة وكاتمة إيمانها حتى بلغت من العمر سبعة عشر عامًا، وصار أغلب شباب أهل مكة يطلبونها للزواج وكان بعضهم يملكون المال الكثير وبعضهم كان غنيًا في مكة.
لم ترضى ابنة عقبة بن أبي معيط بأن تتزوج من أي رجل؛ وذلك لأنها كانت شديدة الحزن على أبيها، وحتى لا يكتشف أحدًا سرّ إيمانها، فكانت هي الفتاة الوحيدة في ذلك الوقت ومن بين كفار قريش كانت مؤمنة بالسرّ وتعبد ربها، وقد كانت تحلم دائمًا بأن تهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
لقد حصل أمرٌ قام بتغيير مسار حياة أم كلثوم وهو حدوث صلح الحديبية، وقد كان من شروط صلح الحديبية أن يرد النبي عليه الصلاة والسلام كل من يأتي من مكة مؤمنًا، فسمعت أم كلثوم بتلك الشروط وصارت تبكي بكاءً شديدًا؛ لأنها فقدت الأمل من الهجرة إلى المدينة المنورة بعد قرار تلك الشروط، فقررت أم كلثوم بأن تهاجر للنبي عليه الصلاة والسلام وعزمت على الهجرة فسارت ليلًا في الطريق المخيفة لوحدها وكانت تعلم بينها وبين نفسها أن النبي سيُعيدها إلى مكة ومن المحتمل أن تقتل.
وصول أم كلثوم المدينة:
لقد وصلت أم كلثوم المدينة وعندما رأها النبي عليه الصلاة والسلام تعجب في أمرها، فأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام لم تسمح له بأن يعيدها إلى مكة، بالرغم من أن الصحابة رفضوا أن يعيدوها إلى المدينة فظل النبي عليه الصلاة والسلام يمعن التفكير ينتظر نزول الوحي عليه حتى يخبره بشأن أم كلثوم، فلما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم جاء بآيات من ربه في سورة الممتحنة قال فيها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” الممتحنة:10.
فلما نزلت آية من القرآن بحقها، أمر الله ورسوله أن لا ترجع أم كلثوم إلى مكة، وعلى نساء المؤمنين ونساء النبي صلوات الله عليهم أن يستقبلونها أحسن استقبال، وعليها المكوث في المدينة رغمًا عن أهل قريش، فقد جزاها الله على صبرها وإحتسابها وكتمانها لإيمانها بأن رزقها الله بالزواد من عبد الرحمن بن عوف، فقد كان من أغنياء المدينة المنورة وهو من الصحابة الذين بشرهم الله بالجنة.