قبل التكلم عن موضوع الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى لا بد لنا من أن نشير إلى أن القرآن الكريم هو كتاب هداية، وعقيدة، ودعوة قد أنزله الله تعالى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور قال تعالى ﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ [إبراهيم ١].
وليس الهدف من إنزاله هو إيضاح حقائق علمية وقوانين كونية، والكثير يخطىء من الناس عندما يحرصون على أن يتضمن القرآن الكريم كل نظريةٍ علميةٍ، يتم إكتشافها فتجد الواحد منهم كلما ظهرت نظرية جديدة التمسوا فيها محمل في آية من كتاب الله تعالى، يتناولوها ويغيب عن ذهنهم أنّ النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، وأنّهم يسيؤون إلى القرآن من حيث يظنون أنّهم يحسنون صنعاً عندما يعبثون بالقرآن وتفسيره كلما تطور البحث العلمي وتنوعت أساليبه وأشكاله.
ومنشأ هذا الخطأ ووقوعهم في الزلل : أنَّ الحقائق التي ذكرها الله تعالى في كتابه هي حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أمّا ما يصل إليه البحث البشري – مهما كانت الأدوات المتاحة له – فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجارب بشرية حسب الظرو ف من هذه التجارب والأدوات، فمن الخطأ المنهجي والمنطقي– بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته – أن نقوم بتعليل الحقائق القرآنية النهائية بحقائق منهية وقابلة للتغيير، وهي كل ما يصل إليه العلم البشري، وإذا كان هذا بالنسبة للحقائق، فما بالك بالنسبة للنظريات ؟؟
مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن :
- حثّة على التفكير: إنَّ المظهر الأول من مظاهر الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى هو حث الإنسان على التفكير، لكي يسرح النظر في آفاق هذا الكون الفسيح ، وإحالة العقل البشري لفهم أسرارة وحقائقه ، فالقرآن لا يشل حركة العقل وتفكيره، بل يدعوه الى الاستزادة من العلوم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس ثمّة كتاب من كتب الأديان السابقة يكفل هذا بمثل ما يكفله القرآن.
وليس أدلّ على هذا المظهر من أنَّ القرآن يجعل التفكير السديد، والنظر في الصائب في الكون وما فيه، أعظم وسيلة من وسائل الإيمان بالله تعالى ﴿وَفِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ [الذاريات ٢١]
- الإنسجام مع الحقائق العلمية واهتمامه بالعلم : ومن مظاهر الإعجاز العملي في القرآن ذاك التوافق التام بين الحقائق العلمية الثابتة، وبين آيات القرآن ومبادئه.
- الإشارة إلى بعض الحقائق العلمية: رغم ما ذكرنا من حقيقة الإعجاز العلمي في القرآن فإنّنا مع ذلك نلمح فيه إشارات إلى الحقائق العلمية، جاءت في نظم الهداية الإلهية، وتركت لعقل البشر أن يبحث ويتدبر ويتفكر، لكي يجد في كل عصر في القرآن ما يبرهن على إعجازه وأنّه من عند خالق البشر.