هبوط آدم عليه السلام وزوجه من الجنة

اقرأ في هذا المقال


هبوط آدم عليه السلام وزوجه من الجنة:

لقد شاءت إرادة الله بأن يهبط آدم وزوجه إلى الأرض التي أعدت لهما ولذريتِهما من أجل تحقيق الخلافة التي من أجلها خُلق الإنسان، فقال الله تعالى: “إنّي جَاعِلٌ في الأرضِ خليفة” البقرة:30. فقد هبط آدم وزوجه من الجنة إلى الأرض، ومعهما تلك التجربة المريرة مع الشيطان، ليتحصَنا من مكائده وشروره، فقد انتقل آدم وزوجه من حياة السعادة والنعيم والرخاء إلى الأرض بما فيها من تعبٍ ونصبٍ، حيث خرجوا من الجنة بعدما أمرهُم الله بالخروج، إذ قال الله تعالى: “قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ” الأعراف:24.
وقال تعالى أيضاً: “قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” البقرة:38.
وقال تعالى: “قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍقَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ” الأعراف:24-25.
وقال تعالى: “قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ” طه:123.
إنّ جميع هذه الآيات تكلمت عن هبوط آدم وزوجه، فالآيةُ الأولى والثانية والثالثة متطابقات لفظاً ومعنى، وإنما جاء التكرار هنا لتوكيد الأمر، أما الآية الرابعة فهي جاءت بلفظ المثنى، وهي للجهتين المتعاديتين آدم وزوجهِ وذُريتهما من جهة، وإبليس وجنوده من جهةٍ أخرى.
واختلف العلماء فيمن يشملهُ أمر الهبوط على أقوال: قال أبو صالح عن بن عباس أنهُ انصرف إلى آدم وحواء والحيةُ، وحُكي السدي عن ابن عباس إلى آدم وحواء وإبليس والحية، وقال مجاهد إلى آدم وإبليس، وقال الفراء إلى آدم وحواء وذريتُهما، وذكر ابن الأنباري إلى آدم وحواء فحسب. لكن أغلب المفسرين قالوا على أن المقصود بأمر الهبوط هم آدم وحواء وذريَتهما من جهة، وإبليس وجنوده من جهةٍ أخرى.
يقول ابن القيم في تفسيره: إن العداوة التي ذكرها الله تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذُريتهما كما قال تعالى:” إنّ الشيطان لكُم عدوٌ فاتَخِذوهُ عدوا” فاطر:6. وهو سبحانه قد أكدّ أمر العداوة بين الشيطانِ والإنسان، وأعادَ وأبدى ذكرها في القرآن لشدةِ الحاجة إلى التحرز من هذا العدو، وأما آدم وزوجه، فإنهُ إنما أخبرَ في كتابه أنه خلقها لهُ ليسكُن إليها، وجعلَ بينهما مودةَ ورحمة، فالمودةُ والرحمة بين الرجل والمرأةِ، والعداوةُ بين الشيطانِ والإنسان.
ثم يقول: والذي يوضح أن الضمير في قوله: “اهبطا مِنها جَميعاً” لآدم وإبليس أن الله سبحانه لما ذكر المعصية أفرد بها آدم دون زوجه، وهذا يدلُ على أن المخاطب بالإهباطِ هو آدم وإبليس الذي زين له المعصية، ودخلت الزوجة تبعاً، فإن المقصود إخبار الله تعالى الثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم المعصية ومخالفة الأمر.
وقال بعض المفسرين: إنّ المخاطبين هم آدم وحواء وإبليس، والعداوة هنا مسبقةً بين الإنسان والشيطان ولكن قوله تعالى: “قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ” طه:123. لقد تبين أن العداوة بين طرفين وهما آدم وحواء طرف، وإبليس طرفاً آخر، فكأنهما فريقان آدم وحواء وذريتُهما، وإبليس وذريته.
فقد أراد الله تعالى أن يؤكد للبشرية تلك العداوة التي بينهم وبين الشيطان، حتى لا يَنزلقوا إليه مرةً أخرى، فالعداءُ والصراع سيبقى على أمدَ الدهرِ ما بقيت السنون، فقد ابتدأ الصراع بآدم وزوجه وسيستمرُ حتى ينفخ في الصور وتصعقُ الخلائق وتطوى الصحف ويأتي يوم الحساب.
لقد أراد سبحانه أن تختزل البشرية في ذاكرتها تلك التجربة لتحذر فتنة الشيطان وإغراءاتهِ، فلم يتركهم سبحانه يُصارعون الشيطان بغير هدى، إنما أنزل إليهم الكتب والصحائف وأرسل الرسل والأنبياء نوراً تستعصمُ به البشريةِ عند الملمات، فقد أنزل سبحانه وتعالى على آدم صحفاً كانت عبارة عن تعاليم وإرشادات وشرائع، هذا المنهج الرباني من اتبعهُ لا يضلُولا يشقى، وإنما يأتي الشقاء والضلال على البشرية من الابتعاد عن منهج الله واتباع الهوى.
يقول الشيخ محمد المكي الناصري: فاتباعُ الهدى هو الحصنُ الحصين للإنسان من الوقوع في شبكة الشيطان، وهو الطريق الوحيد للحصول على السعادة والفلاح بدلاً من الشقاء والخسران “فَمن يَعملُ مِنَ الصَالِحاتِ وهو مؤمنٌ فلا كُفران لسعيهِ وإنّا لهُ كاتبون” الأنبياء:94.
هذا وقد خلت التوراة من ذكر الهدى والنور والصحف التي أنزلت على آدم عليه السلام، وخلت كذلك من تحذير آدم وزوجه من إبليس عند خروجهم من الجنة.


شارك المقالة: