هل عيسى عليه السلام صُلب وقتل أم رفعه الله إليه؟

اقرأ في هذا المقال


عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل بل رفعه الله إليه:

إنّ الذين إدعوا ألوهية عيسى أو أنهُ ابن الإله الخالق، كان الواجب عليهم أن يعترضوا على مسألة الصلب هذه، يقولون بألوهية أو بنبوةٍ ألوهيةٍ ثم يجيء أعداؤهُ فيقدرون عليه ويقتلونهُ ويصلبونهُ؟ فإنه بذلك يكون قد انقلب من قادر إلى مقدور عليه، إنهُ بذلك يكون بشراً يقدر على غيره من البشر.
فعندما يأتي الإسلام ويُبرئ عيسى عليه السلام من هذه المسألة، فهو يُعين أتباع عيسى عليه السلام على تبرئة من القتل والصلب. وكان يجب أن يتلقف أتباع عيسى عليه السلام قوله تعالى في هذه القضبة: “ولكن شُبِهَ لهم” ليؤمنوا به ويعملوا به. ويقول الله تعالى: “وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ” فالنصارى زعموا التبعية لعيسى عليه السلام يقولون بالرفع، ولكن بعد الصلب، ونحنُ المُسلمين نقول بالرفعِ ولا صلب، “بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ“. والذين يقفون عند هذه المسألة يجب عليهم ألا يقفوا؛ لأن قصة عيسى عليه السلام بدأها الله بمعجزةٍ، وهي أنه ولد من أم دون أب، فإن كنتم قد صدقتم بالمعجزةِ في الميلاد، فلماذا لا تصدقون بها في مسألة الرفع.
وإذا كان فينا نحنُ المسلمين من يقول: إنّ عيسى عليه السلام مات ولن ينزل، فنقول لهؤلاء، ماذا تقولون في نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام؟ أنه أعرج به إلى السماء؟ سيقول المسلمون: نعم، ونقول لهم: ألم يكن رسول الله صّلى الله عليه وسلم حيّاً بقانون الأحياء؟ سيقولون: نعم كان حياً بقانون الأحياء، ونقول: وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدّةً وجيزةً في السماء ثم نزل إلينا، إذن فالمسألة في أنّ يذهب خلق من خلق الله بإرادة الحق وقدرتهِ إلى السماء وهو حيٌ وما يزالُ حيّاً ثم ينزل إلى الأرض، فهذهِ المسألةُ ليست عجيب، والخلاف بين رفع عيسى عليه السلام وصعود محمد عليه الصلاة والسلام بالمعراج، هو خلاف في المدة، ولنا أن نعرف أن الخلاف في المدة لا يقتضي خلافاً؛ فالمهم أنه صعيد بحياته ونزول حياته وظل فترةً من الزمن بحياتهِ. إذن فإن مسألة الصعود إلى والبقاء فيها لمدة أمر وارد في شريعتنا الإسلامية.
يقول الله تعالى في مسألة تأكيد قضية صعود عيسى للسماء: “وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ” النساء:159. إن من يسمع هذه الآية، فإنهم أهل كتاب ولا بدّ أن يكونوا قد آمنوا به، ونقول لا لقد آمنوا به إيماناً مراداً لأنفسهم وليس الإيمان المراد لله، فقد آمنوا به إلهاً أو جزاءاً من إله أو ابن إله، ولكن الله يُريد أن يؤمنوا به أنه بشر وأنه رسول وأنه عبداً، فإذا قال تعالى: “وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” النساء:159. إن هذا القول يعني أنه ما من أحدٍ من أهل الكتاب إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام رسولاً وعبداً وبشراً قبل أن يموت.

هل عيسى عليه السلام سيأتي بتشريع جديد؟

إن عيسى عليه السلام لن يأتي بتشريعٍ جديد، بل إنه ساعة نزوله، سيجدُ الصلاةَ قائمةً، فيُصلّى خلف واحدٍ من المؤمنين بمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، حين يصنعُ عيسى ابن مريم ذلك ماذا سيقول إذن الذين فتنوا فيه؟ ولا شكّ أنهم سيُعلنون الإيمان برسالة محمد عليه الصلاة والسلام أو أن كلّ كتابيٌ من الذين عاشوا في المسافة الزمنية من بعد رفعه وحتى نزوله مرةً أخرى سيُعلن الإيمان بعيسى كبشرٍ ورسولٍ وعبدٍ، قبل أن يموت ولو في غيبوبة النهاية، إنّ الآية يصحُ أن تكون عامةً، فالحق قال فيها: “وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ“.
إنّ الضمير في الآيةِ قد يعود إلى كل كتابيّ قبلَ أن يموت؛ لأن النفس البشرية لها هوى قد يستر عنها الحقائق ويحجبُ اليقين، وغرور الحياة يدفعُ إلى ذلك، فإذا ما جاءت سكرة الموت بالحق انتهى كلّ شيء يُبعد الإنسان عن منهج الحق واليقين، ولا تبقى إلا القضايا بحقها وصدقها ويقينها، وتستقيظ النفس البشرية على لحظة تظن أنها ستلقى الله فيها، ويسقط غرور الحياة ويُراجع الإنسان نفسهُ في اللحظة، ويقول الكتابي في تلك اللحظة لنفسه: أنا اتبعت هوى نفسي في أنني جعلت عيسى إلهاً، ولكن هل ينفعُ مثل هذا اللون من الإيمان صاحبه؟ لا، فلا ينفعُ إيمانُ الإنسان حال موته، فإنهُ في تلك الساعة عايّن كل شيء وكشف عنه الحجاب، وعرف مقعدة في الجنة أو في النار، وحينئذ لا ينفع نفسٌ إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
إنّ إيمان فرعون لحظةً الغرق لم ينفعهُ، وكذلك إيمانٌ أي ّ من أهل الكتاب قبل الموت، ولقد قال عزّ وجل: “يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ” الأنعام:158.
إنّ عيسى عليه السلام سيشهدُ على من عاصرَ نزوله في الدنيا، وسيرونهُ يُصلي خلف واحدٍ من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وبعد ذلك يُكسر الصليب ويُقتلُ الخنزير كما يُشهد يوم القيامة على السابقين من أهل الكتاب الذين قالوا: إنهُ إله أو ابن إله، يحدث ذلك في موقف مَهيب يوم يجمعُ الله الناس للحساب ويُستدعى عيسى عليه السلام للشهادة على قومه فيسأله: “يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ الله”.



شارك المقالة: