وصايا النبي في حجة الوداع

اقرأ في هذا المقال


ما هي وصايا النبي في حجة الوداع؟

كان للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم العديد من الوصايا والفضائل التي كان يحث صحابته الكرام رضوان الله عليهم وجميع الناس على قولها وفعلها والقيام بها؛ لما لتلك الوصايا والفضائل في رفعة الإنسان المسلم في الدنيا والآخرة، ولما لها من نفعه كبيرة وأجر عظيم له.
وكما جاء في الحديث في خير يوم طلعت فيه الشمس وهو يوم الجمعة في شهر عرفة وذلك من العام العاشر من الهجرة النبوية الشريفة 10هـ، حيث غادر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة بصحبة أصحابه الكرام ومعهم عدد مئة ألف من المسلمين، حيث كان يحملهم الشوق الكبير للحج وذلك لأول مرة في التاريخ، وهناك كان النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قد منح المسلمين عدد من وصاياه الأخيرة؛ وذلك حتى يُتمم أمانته عليه الصلاة والسلام وقد أوشك النبي الكريم على الالتحاق بالرفيق الأعلى.

كتاب الله:

أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل، وأيضاً بسنته صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أمانًا وعصمة وطريقاً خالياً من كل ضلال، ولتجنب شرك وعادات الجاهلية وأيضاً الابتعاد عن طريق الشيطان.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: “أَما بعد أَلا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به ” [رواه مسلم].

كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يعلم بأن أمته سيحدث فيما بينها اختلاف كبير من بعده في العديد من الأمور، ومنها الاختلاف في الأفكار وفي المذاهب وفي العادات وفي التقاليد المترسخة، وهو ما يمكن أن يودي بأمته إلى مسالك التهلكة وطريق الظلال لولا تمسكها بالطريق القويم والصحيح.
إذ يقول رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في خطبته: “إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك، فقد رضي به مما تحتقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم”[ أخرجه أحمد].

حرمة الدماء والأموال والأعراض:

وقد أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في خطبته العظيمة بتحريم سفك الدماء، وهو كحرمة البيت الحرام والشهر الحرام، وأيضاً حرم النبي فيها التنازع والتخاصم والتطاحن والفرقة بين الناس، كما أوصى عليه الصلاة والسلام بحرمة الأموال وأيضاً الأعراض بين المسلمين.
يقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الخطبة: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلَقْوَنْ رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا” [رواه البخاري].
وقد أكد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في خطبته العظيمة على حرمة الدماء والأموال والأعراض بين المسلمين وبين كل الناس أيضًا في خطبته يوم النحر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أي يوم أعظم حرمة؟ قالوا: يومنا هذا، قال: فأي شهر أعظم حرمة؟ قالوا: شهرنا هذا، قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: بلدنا هذا، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا، هل بلغت! قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد” [رواه مسلم].

العدل:

أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بتحريم الظلم وتحريم الربا وتحريم السرقة وأيضاً نهب الأموال بالباطل، وأيضاً تحريم العبث بالأشهر الحرم كما هي على عادة الجاهلية.
يقول رسول الله في خطبته: ” ألا إن كل ربًا من ربًا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع” [رواه أبو داود].

وقد جاء في السيرة النبوية لابن هشام أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه الكرام رضوان الله عليهم في الخطبة العظيمة بأهمية تحري الأمانة ومذكراً إياهم بلقاء الله عز وجل.[السيرة النبوية:605]
وفي قول النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام في منع التلاعب في الشهور: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم ” [رواه أبو داوود].

التساوي بين البشر:

أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن العصبية والقبلية والتي فيها تفرقة كبيرة، ونبذ عليه الصلاة والسلام فوارق اختلاف اللغة وأيضاً الأنساب والعرق بين الناس، فلا يوجد أي فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.
حيث قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بوضوح تام وذلك حتى يمنع الثأر والعصبية والعنصرية القبلية: “ألا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، ودماء الجاهلية موضوعة ” [رواه ابن ماجة].
وقد تسامح النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في دم ابن عمه الذي قتله هذيل، وهو درس كبير وعظيم في حقن الدماء بين الناس، فيقول: “وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ” [رواه مسلم].

أخوة الإسلام:

وقد أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدعم الرباط والمحبة بين قلوب المؤمنين، وأيضاً رعاية الأهل وأهمية صلة الأرحام.
وقد وجاء في السلسلة الصحيحة أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حرص حرصاً كبيراً على تأصيل مبدأ الأخوة في دين الإسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: “أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم .اللهم هل بلغت ؟ فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم فقال رسول الله ﷺ اللهم اشهد” [صححه الألباني].

وصية الرسول بالنساء:

أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا بالنساء، وقد أكد على حقوقهن وكرامتهن، إذ يقول الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في خطبته العظيمة ما يفيد توازن الكبير في العلاقة الصحية بين الرجل وبين المرأة وضرورة منع العدوان بين الزوجين، ولو أن المرأة أخطات يجوز القيام بتأديبها ولكن برفق وطريقة بعيدة عن العنف، وأن للمرأة حقوقها من أكل وكسوة (لبس) ومعاملة طيبة بالمعروف، فالمرأة عند زوجها هي أمانة، وطبيعة المرأة هي ضعيفة وقد استحللها بكلمة الله عز وجل.
إذ يقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “أما بعد أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقًا، ولهن عليكم حقًا، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي” [رواه الترمذي].

طاعة الحاكم الصالح:

أوصى الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بضرورة السمع والطاعة للحاكم طالما أنه أطاع الله عز وجل ورسوله الكريم في رعيته، وهو ما ورد من حديث رواية جابر بن عبد الله يقول النبي: “اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ » [صححه الألباني].
وفي ذلك اليوم الذي ألقيت فيه خطبة الوداع في حجة الوداع نزل قول الله سبحانه وتعالى: “{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ}” [المائدة: 3].
وعندما سمع هذه الأية الصحابي الجليل عُمر بن الخطاب رضي الله عنه بكى رضي الله عنه، فقيل له: “ما يبكيك؟ قال: إنّه ليس بعد الكمال إلا النقصان”. وكأنّ سيدنا عمر استشعر بوفاة النبيّ الكريم محمد صلوات الله عليه وسلامه. [فقه السيرة للغزالي].


شارك المقالة: