عندما فتح رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة وبعد ذلك فرغ من تبوك، دخلت في الإسلام حينها قبيلة ثقيف وبايعت النبي، ضربت وجاءت إلى النبي وفودّ العرب من كل وجه ومن كل مكان، وكان من تلك الوفود وفد هوازن.
وفد هوزان
وبعد الأنتهاء من غزوة الطائف والتي هي في الحقيقة امتداد لغزوة حنين، وذلك أنّ معظم وفود هَوَازن وثَقِيف دخلوا إلى الطائف مع القائد العام لجيشهم (مالك بن عوف النَّصْرِي)، ومالك بن عوف هو القائد لهم يوم غزوة حنين ضد جيش المسليمن، وتحصنوا في الطائف، عندها سار إليهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من غزوة حنين، وبعد ذلك قام بجمع الغنائم وقسمها بالجعرانة، وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة.
بعد أن أتمّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم غزوة الطائف قام رسولنا الكريم بتوزيع الغنائم ، حيث بدأ بتقسيم المال، حتى يقوم بإسكات كل المتطلعين من رؤوس وزعماء القبائل وأيضاً إسكات أشراف مكة المكرمة، حيث كانت المؤلفة قلوبهم هم أول من أعطي لهم وحظي لهم بالأنصبة المجزءة.
وبعد أن قام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتوزيع الغنائم أقبل وجاء وفد من الوفود، وكان ذلك الوفد هو وفد هوزان، حيث جاء وفد هوازن مسلماً، وكان عددهم أربعة عشر رجالاً، حيث كان على رأس الوفد رجل اسمه زهير ابن صُرَد، وكان مع وفد هوزان رجل اسمه أبو بُرْقَان، وكان ذلك الرجل هو عم رسول اللّه محمد صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، حيث أسلم الوفد وبايعوا النبي، وبعد ذلك قالوا للنبي هذا الكلام: “إنّا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك، إنّما في هذه الحظائر عمّاتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنّا ملحنا للحارث بن أبي شمر ملك الشام أو للنعمان بن المنذر ملك الحيرة ثم نزل منا مثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته، وأنت خير المكفولين ولهذا اليوم اختبأنا” ، وبعد ذلك أنشدوا عدّة من الأبيات يريدون العطف بها من النبي محمد، فقالوا في الأبيات :
فامنن علينا رسول الله في کرم ** فإنّك المرء نرجوه وننتظر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
إنّا نؤمل عفواً منك تلبسه ** هادي البرية إذ تعفو وتنتصر
وبعد هذه الأبيات قال لهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنّ معي من ترون ، وأن وأحب الحديث إلي أصدقة ، فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي( ويقصد بالسبي الأبناء والنساء) وإما المال، وإن كنت أنتظركم حتى ظننت أنّكم لا تقدمون”، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد أنتظرهم لأكثر من عشرة ليال عندما فرغ من غزوة الطائف .
فأكمل النبي كلامه وقال: ( “وقد وقعت المقاسم مواقعها، فأيُّ الطائفتين أحب إليكم”)، وكان النبي قد خيرهم بين أموالهم أو نسائهم وأبنائهم، عندها فقالوا للنبي: ( يا رسول الله أنّك خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا( ويقصدالأبناء والنساء )، وما كنا نعدل بالأحساب شيئاً)، وبعد ذلك طلبوا من النبي أن يرد إليهم نساءهم وأبنائهم فهم أحب إليهم، وأنّهم لن يتكلموا في شاة ولا بعير، عندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأسأل لك الناس”، ومن ثم قال خير الخلق سيدنا محمد بمعنى الكلام: أنّني إذا صليت صلاة الظهر بالناس فقوموا عليهم وقولوا لهم نحن إخوانكم في دين الله)، ثم قال لهم النبي بعد ذلك، وقولوا لهم : “إنّا نستشفع برسول الله إلى المؤمنين وبالمؤمنين إلى رسول الله في سبينا” (يقصدون النساء والأبناء)، وبعدها قال لهم النبي أنّه سيعطيهم عند ذلك وسيسأل النبي لهم .
فلمّا صلى النبي بهم قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به النبي فقال النبي بمعنى الكلام: أنّ ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم، حينها قال المهاجرون والأنصار: ( إنّ ما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم). ولكن الأقْرَع بن حابس قال: (أمّا أنا وبنو تميم فلا). وقال أيضاً عُيَيْنَة بن حِصْن: (أمّا أنا وبنو فَزَارَة فلا). وبعد ذلك قال العباس بن مِرْدَاس:( أما أنا وبنو سُلَيْم فلا). لكنّ بني سليم قالت: (ما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم). فقال حينها العباس: (وهنتموني).
وبعد ذلك قال رسول اللّه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنّ هؤلاء القوم قد جاؤوا مسلمين، وقد كنت استأنيت سَبْيَهُمْ، وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئاً، فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك، ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرد عليهم، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء اللّه علينا “، وبعد ذلك الكلام من سيد الخلق قال ناس حينها: ( قد طيبنا لنبي اللّه صلى الله عليه وسلم) .
ومن ثم قال النبي : “إنّا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرض، فارجعوا حتى يرفع إلينا عُرَفَاؤكم أمركم”، عندها قاموا وردوا إليهم نساءهم وأبناءهم، وكان من الذين اختلفوا من الناس الصحابي عيينة بن حصن والذي أسلم بعد فتح مكة، لأنّ عيينة رفض أن يرجع إليهم عجوزاً أصبحت في يديه منهم، ولكنّه قام وردها بعد ذلك، وقد كسى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم السبي قبطية.