کیف جهز قائد هوازن قوات الجيش لغزوة حنين

اقرأ في هذا المقال


کيف جهز قائد هوازن قوات الجيش لغزوة حنين:

أمّا قائد هوازن وملكها فقد كان شاباً في عنفوان شبابه، والقائد الملك مالك بن عوف النصري الذي كان يقود عشرين الفاً) من هوازن يقابلهم ( فقط ) في الجانب الإسلامي اثنا عشر ألف مقاتل.

القائد الملك مالك بن عوف بالرغم من صغر سنه ( وكما دلَّ أسلوبه في تعبئة وتجهيز جيشه) محارباً وقائداً من الدرجة الأولى، وكان أيضا خبيراً عسكرياً ومحنكاً في رسم وتنسيق الخطط للمعارك ووضع الكمائن، بالإضافة إلى الشجاعة المتناهية التي بلغت حد التهور.

وكان مع كل هذا يتمتع أيضاً بسلطات مطلقة على جميع عشائر هوازن، لأنّه كان بمنزلة الملك والحاكم بينهم توجوه واعترفوا بسُلطانه المطلق، لقد كانت خطة مالك بن عوف التي رسمها للمعركة خطة محكمة دقيقة مفصلة أكسبته المرحلة الأولى في أول الصدام، حيث أنزل بجيش المسلمين هزيمة منكرة، مزقت كتائبهم، وجعلت بعضهم يدوس بعضاً وهم يفرون من الشعاب عند غلس الفجر ناحية مكة، لا يلوون على شيء، وكادت تكون النهاية المفجعة لجيش المسلمين، لولا أن ثبت الله الرسول القائد الكريم صلى الله عليه وسلم ونفراً قليلاً مخلصين من الصحابة، استبسلوا وثبتوا حول نبيهم وأهابوا بالمغلوبين أن يعودوا إلى ساحة الوغی، فعادوا وجالدوا المشركين أعنف مجالدة وقاتلوهم أشرس قتال بقيادة رسولهم حتى دارت بهم الدائرة على الكفار ونزلت بهم الهزيمة الساحقة الماحقة، وأشاء الله النصر المؤزر لجيش المسلمين والإسلام.

أمّا عن أسلوب القائد الملك مالك بن عوف في تنظيم جيشه وتعبئته وتجهيزه وإعداده للمعركة فقد كان كما يلى :

١- رفع الروح المعنوية بين جنده:

فقد وقف مالك خطيباً في هوازن مشيداً بهم ولافتاً نظرهم إلى أن يثقوا بأنفسهم لأنّهم أكثر عددا من المسلمين، وأنّهم أقدر (بزعمه) على الصبر والثبات منهم. وممّا قاله القائد مالك بن عوف في خطابه هوازن: “إنّ محمداً لم يقاتل قط قبل هذه المرة ، وإنما كان يلقي قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم “.

۲- حشد نساء هوازن وأطفالها وأموالها خلف جيش هوزان:

فقد أصدر القائد مالك بن عوف أوامره إلى هوازن بأن يجعلوا نساءهم وأطفالهم ومواشيهم وراء صفوفهم قريباً من ميدان المعركة، وهدف القائد مالك بن عوف من هذا التصرف، أن يستبسل المحارب الهوازني في القتال، لأنّه من الصعب على المحارب أن يفكر في الفرار، فينجو بنفسه ويترك نساءه وولده وماله ليقعوا أسرى في أيدي أعدائه (جيش المسلمين ).

فكان مالك بذلك يقصد أن يدخل في نفوس المحاربين من جنده عنصراً جديداً من عناصر الثبات والصمود والقتال، وكان دريد بن الصمة الجشمي المحارب الشهير والشاعر المشهور، قد انتقد خطة القائد مالك هذه أثناء التحرك إلى حنين أشد الانتقاد، واعتبرها نوعا من المغامرة والتهور، بل ضرباً من الانتحار، ونصح مالك بأن يعيد النظر في خطته هذه بأن يعيد النساء والأطفال والمواشي إلى رؤوس الجبال ويلقی جيش المسلمين على متون الخيل، ولكن مالكا أصر فنفذ خطته وصحب معه النساء والأطفال والمواشي حتى انقضت المعركة حيث وقعوا جميعا في قبضة جيش المسلمين.

۳- جرد السيوف وكسر الجفون:

وكانت العرب ترى أن كسر جفون السيوف أبلغ في توطين النفس على الموت، وهو يعني عندهم عدم التراجع والتخلف عن المعركة بل القتال حتى النصر أو الموت، وذلك هو الذي قصد إليه القائد الملك مالك بن عوف حين خاطب جنود هوازن وهو ينظمهم قائلاً: “واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسور الجفن “.

4 – وضع الكمائن:

كان وادي حنين( كما وصفه المؤرخون )وادياً أجوف ذا منافذ عدة وشعاب مختلفة، وكان القائد الملك مالك بن عوف لديه جميع المعلومات الجغرافية عن هذا الوادي، ولهذا قرر أن يتبع خطة الكمائن لتكون ضربات هذه الكمائن أول ما يلاقيه جيش المسلمين في الحرب.

وفي الحروب القديمة السابقة، بل وفي جميع الحروب، ليس أضر على الجيوش من تعرضها لضربات الكمائن المفاجئة.

كان القائد الملك مالك بن عوف هو السابق إلى وادي حنين فاختار المكان المناسب لضخامة جيش هوزان فعسكر فيه ، وفي الليلة التي كانت صبيحتها واقعة حنين ، انتخب مالك بن عوف عدة مفارز من رجال هوازن الأشداء وسار بهم ظلام الليل إلى الشعاب والمضائق التي سيمر أمامها الجيش النبوي، وهناك وزع مالك رجاله إلى عدة فصائل وتقسيمات، نظمها على شكل كمائن، وبعد أن رتب ونظم هذه الكمائن تنظيما دقيق في ظلام الليل (زيادة في الكتمان ) أصدر إلى قادتها الأوامر المشددة بأن يهاجموا جيش المسلمين في عماية الصبح، وقبل أن ينشر الفجر ضوءه ليدخلوا بذلك الفوضى على صفوفهم ويبثوا الرعب في نفوسهم ويشتتوا شملهم، ولا يتركوا لهم فرصة يعيدون فيها تنظيمهم وترتيبهم.

وهذا ما حدث بالفعل، فكانت خطة الكمائن أنجح وأنجع الخطط التي اتبعها القائد مالك بن عوف في حربه ضد جيش المسلمين، حيث نزلت بهم على أيدي الكمائن هزيمة منكرة، كادت تكون ساحقة مدمرة ماحقة لولا أن ثبت الله نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، فثبت مكانه مع قلة من خلصاء الصحابة كان ثباتهم جميعاً سبباً في إعادة تنظيم المغلوبين وعودتهم إلى قلب المعركة بعد أن فروا منها .

٥ – البدء بالهجوم واتباع خطة المباغتة:

كذلك كان ضمن خطة القائد الملك مالك بن عوف التي رسمها لمعركة حنين: البدء بالهجوم أي أن تكون هوازن آخذة بزمام المبادرة وتبدأ بمهاجمة جيش المسلمين قبل أن يهاجموها، لأنّ النصر يكون ( غالبا ) كما عزم مالك بن عوف لمن يكون بادئاً بالهجوم، ولذلك قال القائد مالك بن عوف لجيش هوازن ( وهو يضع لهم الخطة ): “ثم تكون الحملة منكم، واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أنّ الغلبة لمن حمل أولاً”.

وقد نفذ جيش هوازن جميع الخطط التي وضعها للمعركة القائد العام مالك بن عوف، وقد كانت هذه الخطط المحكمة ثمارها اليانعة في المرحلة الأولى من المعركة، فانكسروا وهزموا المسلمون حتى وصلت طلائع المنهزمين منهم ضواحي مكة، وقال الذين أسلموا ولا يدخل الإيمان في قلوبهم من عناصر جيش المسلمين: “إنّها هزيمة لن تنتهي حتى البحر “، غير أنّ ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وقلة من المخلصين من الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار ساعة الهزيمة والغلبة أضاع على هوازن ثمرة انتصارها، حيث تحول هذا الانتصار إلى هزيمة ساحقة ماحقة بفضل الله تعالى سبحانه ثم بفضل ثبات النبي صلى الله عليه وسلم والقلة من صفوة الصحابة رضي الله عنهم، هذا الثبات الذي لما علمه المنهزمين المسلمون خجلوا من أنفسهم، وكروا راجعين وقاتلوا جيش هوازن أشد ما يكون القتال حتى هزموهم شر هزيمة وانتصروا بمشيئة الله تعالى.


شارك المقالة: