أول انشقاق في جيش هوازن في غزوة حنين:
ورغم الحشد الكبير الذي حشده مالك بن عوف النصري والذي حشد عدد عشرين ألف مقاتل لغزو جيش المسلمين في مكة المكرمة فإنّ شقاقاً خطيرًا قد حصل بين صفوف التجمع الوثني الهوازني.
فقد عارضت قبيلتان لما وزنهما العسكري الكبير بين هوازن، عارضت هاتان القبيلتان فكرة مالك بن عوف القائد العام، والقائمة بنقل المعركة إلى مكة المكرمة ومحاربة المسلمين لإخراجهم منها، وكانت معارضة هاتين القبيلتين على ما يبدو منطلقة من أن ترك هوازن لديارها وزحفها بجيشها ونسائها وأطفالها وأموالها لمواجهة جيش المسلمين خارج دیار هوازن، يحمل كل معاني التهور وعدم الحسبان للنتائج حيث يعرض هوازن لخطر مدمر لأنّ الحرب غير معروفة عواقبها.
إذ أنّه لو حدث وهو ما حدث بالفعل وأن نزلت الهزيمة بهوازن فإنّها ستكون هزيمة ساحقة فاضحة لا يمكن أن تقوم هوازن بعدها قائمة، حيث سيقع نساؤها وأبناؤها وكل ما تملك غنيمة في أيدي المسلمين.
غير أنّ مالك بن عوف غلبه طيش الشباب فأصر على تنفيذ فكرته، ومن ثم قرر الزحف حسب الخطة المرسومة على المسلمين في مكة وهكذا ولما لم يسمع صوت المعارضة بين هوازن والمتمثل في رجال قبيلتي کعب وكلاب وهما من بني عامر بن صعصعة.
أعلنت هاتان القبيلتان رفض الانضمام إلى جيش هوازن الغازی، فحدث بذلك أول انشقاق خطير في جيش هوازن، لأنّ قبيلتي كعب وكلاب تعتبر من أهم الأجنحة العسكرية ذات القدرة القتالية والكثرة العددية بين قبائل هوازن، هذا ما شهد به الخبير العسكري المجرب دريد بن الصمة عندما تبلغ وهو في وادي حنين يجادل القائد العام مالك بن عوف حول الخطأ القاتل الذي ارتكبه باصطحاب الجيش نساء وأطفاله وأمواله.
فقد سأل دريد بن الصمة وهو ينصح مالك عوف بإرجاع النساء والأطفال والأموال إلى رؤوس الجبال: “ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : ليس في الجيش منهم أحد فقال: غاب الجد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه کعب وكلاب ، ولوددت أنّكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب”.
وكان الذي منع کلاباً من حضور حنين مع هوازن هو ابن أبي البراء. فقد روی الواقدي في (مغازيه ج ۳ ص ۸۸۹) فقال: “ولم يحضرها من هوازن کعب ولا كلاب ، ولقد كانت كلاب قريبة ، فقيل لبعضهم : لم تركتها كلاب ؟ فقال : أما والله إن كانت القريبة ، ولكن ابن أبي البراء مش فنهاها عن الحضور فأطاعته ، وقال : والله لو ناوأ محمد، من بين المشرق والمغرب لظهر عليه “.
ورغم انشقاق کعب وكلاب من صفوف التجمع الهوازني وتمردها على القائد العام مالك بن عوف بعدم انصياعها لأوامره وإعلانها عدم الانخراط في سلك جيشه، فإنّ قوة هوازن بقيت من الناحية الحربية قوة جبارة مرهوبه حيث انصاع عشرون ألف مقاتل من هوازن لقائدهم الشاب مالك بن عوف، يقابلهم اثنا عشر ألف مقاتل من المسلمين.
وقد كانت النية مبيتة لدى هوازن المواجهة المسلمين وغزوهم في أي مكان، وأنهم كانوا يعدون العدّة لذلك حتى قبل أن تتم السيطرة للمسلمين على مكة ، كما أنّهم كانوا في استعدادهم قد ذهبوا إلى أن يدخلوا في حسابهم أسوأ الظروف ، فحسبوا وهم يضعون خطة الحرب ضد المسلمين أينما كانوا حساب احتمال نزول الهزيمة بهم وهم يشنون الهجوم على المسلمين في أي مكان.
فوضعوا انطلاقة من هذا الحسبان خطة الدفاع بعد وضعهم الهجوم، وخطة الدفاع هذه تتلخص في الاستعداد للتحصن في المدن كالطائف إذا ما كانت الهزيمة نصيبهم من هجومهم على المسلمين.
واستكمالاً لخطة الدفاع هذه وهي خطة احتياطية أرسلوا من ثقيف بطن من هوازن بعثة إلى مدينة جرش في الأردن التي كانت جزءاً من الشام الخاضع يوم ذاك السلطان الإمبراطورية الرومانية المعادية للإسلام والمسلمين.
وكانت مهمة هذه البعثة التي كان يرأسها عروة بن مسعود الحصول على آلات حرب ثقيلة تصلح للحروب التي يكون فيها حصار، بحيث تستخدم في الدفاع عن القلاع والحصون، وفي شنّ الهجمات المضادة على جیش العدو الذي يتولى الحصار.
وكانت جرش الرومانية آن ذاك بها مصانع للمنجنيقات والعرادات( راجمات )والدبابات(الات واقية يتستر خلفها الجنود عند الزحف في بعض الحالات لتقيهم السهام)، ولذلك قررت هوازن ضمن خطتها الحربية أن ترسل هذه البعثة للحصول من المصانع الرومانية في جرش على هذه الأسلحة الحربية الثقيلة وكانت هذه الخطة التي تدل على تبييت النية على غزو المسلمين من قبل هوازن قبل وصولهم مكة بل وحتى قبل تحركهم من المدينة.
كانت هذه الخطة قد كشفها جاسوس من هوازن ألقت عليه القبض جريدة من الخيل التابعة لسلاح الاستكشاف في الجيش النبوي الذي كان يتحرك من المدينة نحو مكة.
فقد ذكر المقريزى في كتابه( إمتاع الأسماع ): “أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحرك بجيشه من المدينة صوب مكة ، قدم جريدة من الخيل طليعة، فألقت هذه الطليعة القبض على رجل من هوازن، كان يعمل في جهاز استخبارات مالك ابن عوف سید هوازن وقائدها، ليمد هذا الجهاز بما يحتاج من أخبار عن المسلمين، وتحركات جيشهم الذي كانت هوازن تتوقعه بعد نقض قریش صلح الحديبية.
فعندما مثّل هذا الجاسوس الهوازني بين يدي القائد الأعلى النبي سأله أثناء استجوابه عن حقيقة الوضع العسكري الذي عليه قبائل هوازن فقال: “قد جمعوا الجموع وأجلبوا العرب، وبعثوا إلى ثقيف فأجابتهم، فتركت ثقيف قد جمعوا الجموع وأجلبوا العرب وبعثوا إلى جرش في عمل الدبابات والمنجنيق، وهم سائرون إلى هوازن، فيكونون جميعاً.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “وكل هوازن قد أجاب؟ قال الجاسوس: کلا،أبطأ من بني عامر، کعب وكلاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم معقبا على ما أدلى به جاسوس هوازن من معلومات : ما أراه إلّا صدقني، ثم أمر بحبسه حبساً تحفظيًا”.