جاء النظام المالي الإسلامي مراعياً لمصالح الناس وظروفهم، حريصاً على توفير احتياجاتهم ومتطلبات حياتهم، ضمن الضوابط والأحكام الإسلامية التي يقوم عليها النظام المالي الإسلامي، وتم معاصرة التطورات ودراسة ما يمكن العمل به من مستجدات في المجال المالي، إلى حد أنّه تم إباحة عقود مالية على غير القياس بسبب حاجة الناس إليها.
العقود المالية المباحة على غير القياس:
المضاربة والمزارعة والمساقاة هي عقود مالية متعارف عليها في النظام المالي الإسلامي، ويتم العمل بها في ظروف كثيرة، ولكل منها أحكام وشروط مرتبة، يجب العمل بها ولا يجوز تجاوز أي منها.
ولكن اعتبر بعض الفقهاء أنّ هذه المعاملات المالية الثلاث، هي معاملات مباحة إلّا أنّها على غير القياس، وأبيحت بسبب حاجة الناس إليها، فقد يكون صاحب المال أو الأرض غير قادر على استثمار أمواله والتصرف بها أو العمل في أرضه، وهناك من يستطيع العمل ولكن لا يجد المال ولا الأرض ليعمل، وهنا يجوز المشاركة في العمل والمال لتحقيق الهدف المقصود.
وحسب ما قاله الإمام الكاساني في كتابه البدائع، أن عقد المضاربة عقد غير جائز إذا تم الأخذ به بناءً على القياس؛ لأنّ العقد تم على الاستئجار بأجر مجهول وتقديم عمل مجهول، ولكن تُرك الأمر هنا للكتاب والسنة والإجماع، وبما أنّ الله تعالى شرع العقود لقضاء حاجات الناس وتحقيق مصالحهم، فإنّ سبب الجواز هنا يكون حاجة الناس إلى مثل هذه العقود.
فهناك من يملك المال ولا يهتدي للعمل والاستثمار، ومن يهتدي للعمل والاستثمار وليس له مال، وجاء في كتاب بداية المجتهد لابن رشد أنّ الإجارة المجهولة استُثنيت من العقد بهدف الرفق بالناس ومراعاة ظروفهم.
وتحدّث ابن قدامه عن سبب إباحة عقد المضاربة، أنّ تنمية المال وهي الهدف الأساسي لأي نظام مالي، لا تتحقق إلّا بالعمل، فشُرعت المضاربة لتحقيق الهدف الأساسي للطرفين، فالأول يُنمي ماله بالحصول على نسبة من الربح، والآخر يحصل على المال الذي يسد حاجاته ويلبي متطلباته، مقابل تقديم العمل.
وكذلك الأرض فلا يمكن تنميتها والحصول على نتاجها وخيراتها إلا بالعمل، وتستدعي حاجة أصحاب الأرض العاجزون عن العمل، إلى إباحة عقدي المزارعة والمساقاة، لتلبية حاجة بعض الناس للعمل والزرع ممَّن لا يملكون الأرض.
وهناك من برر عدم جواز عقد المزارعة تبعاً للقياس، بأنها إجارة بأجرة مجهولة كالمضاربة، وكان أصل القياس في ذلك قول النبي محمد _صلى اله عليه وسلم_: “من استأجر أجيراً فليعلمه أجره….”.
وأخيراً إن عقود المضاربة والمزارعة والمساقاة هي عقود جائزة في النظام المالي الإسلامي، وتم استثناء كل حكم مخالف للقياس فيها، تبعاً لتحقيق المصالح وحاجة الناس، وهذا اعتمده النظام الإسلامي في كل مجالاته.