اشتداد القتال في معركة حنين:
وبعد أن تراجع جيش المنهزمين من جيش المسلمين إلى ساحة الوغى، احتدم القتال عندها، وقاتلت هوازن وجيشها بكل شراسة وضراوة منقطعة النظير.
ولكنَّها بعد عودة جيش المسلمين المنهزم كلّه، تحولت حينها من مركز الهجوم إلى مركز الدفاع، فقد شنّ بعد ذلك جيش المسلمين بقيادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على جيش هوازن هجوماً مضاداً كاسحاً، وقد حاولت جيوش هوازن ومن معها من أحلافها الثبات والصبر أمام جيش الإسلام، ولكن دون جدوى.
فقد اكتسحهم جيش المسلمين بحنق وغيظ، وفتكوا بهم وجرفوهم أمامهم كما تجرف العاصفة الورق اليابس، عندها أثخنوا فيهم، حتى أنّه قد بلغ الحنق بعض المسلمين إلى أن امتدت أيديهم إلى ذرية المشركين لقتلهم، فأوقفهم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عنه وعن القيام بذلك بنفسه، لأنّ شريعة دين الله الإسلام لا تبيح أبداً قتل الذرية مهما كانت المبررات والأسباب.
فقد حدث أنّ الراوي محمد بن أبي صعصعة قال:” لما نادى العباس مهيبة بالمسلمين أن يعودوا عن الهزيمة والغلبة، صاح سعد بن عبادة سيد الخزرج يا للخزرج يا للخزرج، وصاح سيد الأوس أسيد بن حضير: يا للأوس يا للأوس، فتابوا والله من كل ناحية واتجاه كأنّهم النحل تأوي إلى يعسوبها، قال فحنق جيش المسلمين على المشركين فقتلوهم حتى أسرع جيش الإسلام في قتل الذرية، فبلغ هذا الشيء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عنه فقال: ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، ألا لا تقتل الذرية، نادی بها ثلاثاً فقال أسيد بن حضير: یا نبي الله الشريف صلى الله عليه وسلم إنّما هم أولاد المشركين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مجيباً أسيداً: أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها”.
وممّا لا خلاف فيه أنّ جيش هوازن بعد تراجع جيش المسلمين إلى الميدان قد قاتلت قتالاً ضارياً، وكان فيهم رجال قد أكثروا القتل في جيش المسلمين بشراسة، ولا أدلّ على ذلك من هذه القصة التي رواها المؤرخون: “عن أن رجلاً من هوازن على جمل له بهر جيش المسلمين بسيفه حتى أكثر القتل فيهم، إلى أن تعاون عليه علي بن أبي طالب وأبو دجانة فقتلاه”.
ورجل يتعاون على قتله ألمع فارسين في المهاجرين والأنصار، هو رجل فاتك شجاع مغوار ما في ذلك شك فعلي فارس المهاجرين وأبي دجانة فارس الأنصار وصاحب سیف النبي الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم واقعة غزوة أحد المشهورة وصاحب المواقف البطولية المشهودة لها في ذلك اليوم. قالوا: “في أوصف فعل الهوازني الأفاعيل بجيش المسلمين: وكان رجل من جيش هوازن على جمل أحمر، بیده راية سوداء في رأس رمح له طويل أمام الناس، إذا أدرك طعن، قد أكثر القتل في المسلمين، فيصمد له أبو دجانة فعرقب جمله فسمع خرخرة جمله واكتسح الجمل وسد على وأبو دجانة فيقطع على ويقطع أبو دجانة يده الأخرى، وأقبلا يضرباته بسيفيهما جميعا حتى تثلم سیفاهما فكف أحدهما، وأجهز الآخر عليه، ثم قال أحدهما لصاحبه: إمض لا تعرج على سلبه، فمضيا يضربان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم، ويعترض لهما فارس من جيش هوازن بيده راية حمراء، فضرب أحدهما يد الفرس ووقع لوجهه ثم ضرباه بأسيافهما فمضيا على سلبه، ويمر أبو طلحة فسلب الأول ومر بالآخر فسلبه”.
وكان الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه والصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه والصحابي أبو دجانة رضي الله عنه والصحابي الجليل أيمن بن عبيد رضي الله عنه يقاتلون بين يدي نبي الله الكريم الشريف محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان في ذلك القتال درس مهم لجيش المسلمين بعد أن تلقى صدمة كبيرة في بداية القتال، كانت تلك الصدمة أن تكون سبباً في هزيمة جيش الإسلام أن حدثت، حيث كانت العبرة من تلك الصدمة هو عدم الغرور بالكثرة والاستهانة بالعدو، حيث أفاق جيش المسلمين من تلك الصدمة بعد النداء الذي كان من عمُّ النبي الصحابي الجليل عباس بن عبد المطلب، والذي كان له دور كبير في رجوع الثقة إلى جيش المسلمين.