اقرأ في هذا المقال
أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء للعباد، لتبليغهم برسالاته وأحكامه في الدنيا، وأوحى إليهم بالشرائع والأحكام التي فرضها الله تعالى على العباد في الدنيا، وأمرهم بتأدية الأمانات كما أنزلت إليهم، وأوجب على العباد الإيمان بالرسل وما جاؤوا به من رسالات.
وجوب الإيمان بالرّسالات كلهَا
الاعتقاد الجازم بالرسالات التي بعثها الله تعالى إلى خلقه عن طريق الرسل هو أصل من أصول الإيمان، والتصديق بأنهم علّموا الناس بها بصدق وأمانة، قال تعالى: “يا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي” سورة الأعراف 144، وقد أثنى الله على الأنبياء والرسل الذين أدّوا أمانة تبليغ الرسالات، حتى لا تكون عليهم حجة أمام الله تعالى، فقال تعالى: “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ” سورة الأحزاب 39.
وكان تكذيب بعض الأمم لرسالات الله تعالى سبباً في هلاكها، فهذا نبي الله صالح _عليه السلام_ بعد هلاك قومه، قال تعالى: “فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ” سورة الأعراف 79، ومثله شعيب _عليه السلام_ بعد هلاك قومه، قال تعالى: “فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ” سورة الأعراف 93.
كما أنّ الرسالات التي أوحى به الله تعالى بها لرسله، وكلفهم بتبليغها هي رسالات نزلت مكتوبة من السماء، وقد تكون الرسالة كتاباً، أُنزل إلى الرسول بالتلاوة والمشافهة عن طريق الوحي كالقرآن الكريم، قال تعالى: “وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً” سورة الإسراء 106.
والكتاب المنزل من السماء قد يكون كتباً مجموعة في كتاب، كصحف إبراهيم _عليه السلام_، وغيرها من الكتب المنزلة تكون وحياً تُرسل مع الملك الموكل بالوحي إلى الرسول أو النبي، وقد تكون بعض الرسالات ليس بكتاب، كالوحي المنزل على إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وما أوحي به إلى محمد -عليه الصلاة والسلام_ من غير القرآن. ويجب الإيمان بالوحي المنزل كله تفصيلاً كما أخبر الله تعالى به، ونؤمن بأن هناك كتباً ووحياً غير ذلك لم يعلمنا الله سبحانه بها.
كيف يكون الإيمان بالرسالات السابقة؟
ويجب أن يؤمن العباد بما جاء في الكتب السماوية السابقة، فإنّ العمل بها، والحكم بها كان واجباً على العباد التي نزلت إليها تلك الكتب، كما أن المؤمن بكتاب سماوي واحد يُؤمن بالكتب السماوية الأخرى، لأن الكتب السماوية تصدق بعضها البعض، ولا تناقض فيها أو خلاف، قال الله تعالى: “مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ”سورة المائدة 46.
ويُعتبر كافراً مَن يُنكر شيئاً مما أنزله الله تعالى من رسالات، وتم تبليغه بها، فقال تعالى: “وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا” سورة النساء 136. ويجب على مَن يؤمن بالرسالات السابقة أن يُصدق الرسالات اللاحقة للشرائع والرسالات السابقة كلياً أو جزئياً.
كيف يكون الإيمان بالرسالة الخاتمة
الإيمان بالكتب السماوية السابقة هو التصديق والاعتقاد الصادق الجازم بها، والإيمان بها بالتصديق فقط لا يكفي، فالمؤمن برسالات الله تعالى يجب عليه أن يأخذ بها، ويعمل بما أمر الله تعالى به ويترك ما نهى عنه، قال تعالى: “المص* كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ”سورة الأعراف 1-3.
وكان القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الذي وصلنا بالله بعد بعثة الرسول محمد _صلى الله عليه وسلم_، وهو العصمة من الهلاك والضنك في الدنيا لمن يعمل به ويحكم بما فيه، وقد حثّ الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أمته على التمسك بالقرآن، فالفتن والضلالات التي يمر بها المسلم، وتشهدها الأمة، لا يمكن الخلاص منها إلا بالعمل بما في القرآن.
فالقرآن الكريم جاء بأخبار الأمم السابقة، وحدّث بالأحداث اللاحقة، وحكم بين الناس بالشرائع والأحكام العادلة، لا هزل فيه، ولا خلاف وتناقض، لا يُنصف الله تعالى مَن يترك القرآن في حياته، فإن كان ذا جاه خسف الله تعالى به جاهه، ومَن يره العمل بغير القرآن يضلّه الله تعالى.
ويكون الإيمان بآخر رسالات الله تعالى، بعد الإيمان برسالاته السابقة، فالإيمان برسالة واحدة يعني الإيمان بجميع الرسالات، لأنها جميعها تدعو إلى غاية واحدة، وهي عبادة الله تعالى وتوحيده، رغم اختلاف الشرائع والأحكام في كل منها، ورغم اختلاف الأزمان التي أنزلت بها، واختلاف الأمم ولغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.