بعد هجرة النبي _صلّى الله عليه وسلّم_ وأصحابه إلى المدينة المنوّرة تغيّرت الظروف الاقتصادية؛ بسبب العدد الذي كان يُعتبر كبيراً في ذلك الوقت بالنسبة لأوضاع أهل المدينة المنوّرة، فزاد العبء الاقتصادي على المسلمين واتّبع النبي _عليه الصلاة والسلام_ اجراءات لمواجهة هذه الظروف، وبناءً على ذلك مرّ الاقتصاد في عدّة مراحل في تلك الفترة، إلى أن ظهرت أحكام شرعية تُنظّم المعاملات والعلاقات الاقتصادية في المجتمع الإسلامي.
المراحل التي مرّت بها الحياة الاقتصادية في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام:
بدايةً اتّبع النبي _عليه الصلاة والسلام_ أسلوب المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كإجراء أوّل، للتخفيف من العبء الاقتصادي على المسلمين، فشاركوهم بيوتهم وأموالهم، ثمَّ أصبحت المسؤولية المالية على عاتق المسلمين بعد إخراج اليهود من المدينة المنوّرة، الأمر الذي زاد من الأعباء المالية عليهم.
فلجأ المسلمون على أثر ذلك إلى الغنائم وهي الأموال التي يحصل عليها المسلمون بعد قتال الأعداء، وأموال الفيء التي يحصل عليها المسلمون بلا قتال من الأعداء، وتمَّ تقسيم هذه الأموال بناءً على ما نزل في القرآن الكريم بحُكم كل من الفيء والغنائم، فأنزل الله تعالى فيما يتعلّق بأموال الفيء:“مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ” سورة الحشر آية 7.
أمَّا ما نزل من القرآن الكريم بخصوص أموال الغنائم فكان قوله تعالى:“وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعان” سورة الأنفال آية 41.
وبعد نشر الدعوة الإسلامية وبدايةِ الفتوحات الإسلامية، كانت بعض العلاقات بين المسلمين وغيرهم تتطلّب الصُّلح مقابل الجِزية، التي كانت مصدر مالي جديد لبيت مال المسلمين، ولكن بضوابط وقواعد شرعية تُحدّد مقدار الجِزية والظروف التي تسمح بأخذِها، والمصارف التي تُنفق فيها.
ثمَّ بدأ النبي _عليه الصلاة والسلام_ بتمليك الأفراد، بإعطائهم جزءاً من الغنائم لامتلاكها، بناءً على الأحكام الإسلامية التي نزلت بآيات القرآن الكريم، كقوله تعالى:“هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ” سورة الحشر آية 2.
ولم يترك النبي _عليه الصلاة والسلام_ ملكية الأفراد مُطلَقة، بل فرض قُيود وضوابط يجب الالتزام بها وعدم تعدّيها، وشرع الإسلام الزراعة والتجارة والصناعة؛ لزيادة الإنتاج وتكثير المال، ونظّم كل واحدة منها بما يتوافق وقواعد الشريعة الإسلامية، وبعد ذلك ظهرت أحكام المعاملات المالية والبيوع، وكل ما يتعلّق بأحكام الاقتصاد الإسلامي، بناءً على قواعد الشريعة الإسلامية وما يدور في مصلحة الفرد والجماعة.