لقد شغل نقل الرواية وتدوينها في علم الحديث شغل المحدّثين منذ العصور الأولى للإسلام، لما للحديث النّبويّ الشريف من أهمية في تبيان الشريعة وكيفية أداء عبادتها، وهو المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، فها هو حديث رسول الله والسنة النبوية الشريفة توضِّح عام القرآن وتؤكده وتأتي بحكم جديد لم يأت به القرآن، ولكل ما سبق يتبين لنا أهمية الحديث والسنة التي دعت المحدّثين إلى التثبت من نقل الحديث، لأنَّهم يعلمون كلّ العلم أنّهم أمام مصدر تشريعيّ يجب التأكد من صحَّة مصادره ومن ينقله، فوجد رواة الحديث أنفسهم أمام علم يضعهم تحت شروط يجب أن تتوافر فيهم لتخرج أحاديثهم وتدون ويؤخذ بها.
شروط صحة الحديث
أولاً: أتصال السند: أن يكون سند الحديث متّصلاً من غير انقطاع في طبقات الرواة ، بحيث يكون جيل طبقة الحديث يروي عن من عاصره وسمع منه أو حدّث عنه، فها هو الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى، يشترط شروطاً في اتصال السند بأن يثبت الراوي سماعه والتقاءه ومعاصرته لمن سمع منه، ومن هذه الشروط نتعلّم كم كان رواة الحديث حريصين على أن لا يرووا من الحديث إلّا ما ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
ثانياً: شروط العدالة في الراوي
اشترط المحدثين عدالة الرواة في قبول الرواية الصّحيحة للحديث النّبويّ الشريف، وهي تتمثل في صفات عدّة يجب أن تكون في الراوي ومنها:
أـ الإسلام : وهي أن يكون الراوي مسلماً، فلم تقبل رواية في الحديث إلّا من مسلم، لأنَّ الكافر لا يؤمن جانبه في الحديث.
ب ـ البلوغ : فرواية الحديث لا تؤخذ من الصّبيّ مثلاً.
ج ـ تمام العقل: فيجب على الراوي حتى تقبل روايته أن يكون عاقلاً، فلا تؤخذ الرواية من مجنون فقد عقله.
د ـ خلوّ الراوي من الفسق ومن خوارم المروءة: وهي أن يكون الراوي بعيداً عن ارتكاب الكبائر وعظائم الذنوب وهو الفسق، وأمّا خوارم المروءة فتتعلق في في صفات يجب أن لا تكون في الراوي ولا تكون لائقة به كمحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
رابعاً: ضبط الرواة : والضبط يتعلق في سلامة الراوي من الخطأ والوهم وقلّة التثبت في نقل الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما سمعها أو قرأها.
خامساً : عدم الشذوذ: ويعنى بها عدم مخالفة الحديث سنداً أومتناً لمن كان هو الأوثق، كالقرآن الكريم، أو راوٍ من رواة الحديث النّبوي الشريف حُكِم عليه من علماء الحديث بدرجة عاليةٍ من العلم والفهم والحفظ.
الصّحابة والسلف الصالح وشروطهم في قبول الحديث
لقد كان همُّ الصحابة والسلف الصالح في مجال الحديث، أن ينقل الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صحيحاً وذلك لأهميته التشريعية، ولأنَّ الكذب لا يجوز في الحديث، وهو امتثال لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :(( إنّ كذباً علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))، وفي ما روي عن الصّحابي أبي موسى الأشعريّ عند روايته لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الاستئذان أمام عمر بن الخطّاب، فقد طلب منه عمر بن الخطّاب شاهداً على صدق حديثه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذهب أبو موسى فجاء بأبي سعيد الخدريّ شاهداً، فأخبره عمر أنَّه طلب ذلك لكي لا يُتَقَوَّل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مالم يقل.
وأوردت الروايات عن المحدّثين ونَقَلَة الحديث كانوا يرحلوا شهوراً وأياماً للتثبت من الحديث، يرحلون إلى الراوي فيسمعون منه ويرجعون، بل كان من المحدّثين من أمثال الزهريّ وبن المبارك ينفقون معظم أموالهم في الرحلة في طلب الحديث وروايته والتثبت منه.