ما أعذبَ طلب علم الحديث بمسيرة حياة الصحابة رضوان الله عليهم! فهم من تحمّلوا في سبيل الدعوة الإسلاميّة الكثير، وهاجروا وتركوا الغالي والنَّفيس في سبيل أن يبقى الإسلامُ عزيزاً بأهلهِ، لازموا النّبي ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ وأطاعوه وسمعوا من النّبيّ ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ الحديث فحفظوهُ ووعوهُ، ونقلوهُ كتشريع لمن جاء بعدهم، وتثبّتوا في نقلهِ، ولا زالت أسماؤهم معطّرةً بصحبة الرسول عليه السّلام إلى زماننا، ويَعرف اسمهم الصغير والكبير، أعلاماً خلّدوا أسماءَهم، ولازال لهم تاريخ في الهجرة للحبشة، وموطن قدم في الهجرة للمدينة، إنّه الرَّاوي الصّحابي المُحدّث عبدالله بن مسعود، أول من جهر بالقرآن، عليهِ رضوان الله تعالى.
اسمه ونسبه ونشأته في نشر الدعوة
هو الصحابي الجليل أبوعبد الرحمن عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب، الهذلي نسبة إلى هُذيل وهي أحد القبائل العربية المشهورة بالفصاحة والبلاغة، ولد بمكة المكرمة، ولم يُعلم لهُ تاريخ ولادة بالتَّحديد، ولكن ميلاده كان في القرن السادس الميلاديّ، ونشأ بمكّة المكرّمة، ولمّا جاء الإسلام كان من السابقين للإسلام ، واختلف في سبقيّته للإسلام، فقيل إنَّهُ سادس من أسلموا بالنّبي ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ وقيل إنَّهُ بعد 22 شخصاً أسلموا ، وقد مرّ النّبي ــ صلّى الله عليه وسلم ــ وأبو بكر بهِ يرعى الغنم ، لعقبَة بن أبي مُعيط، فسلّم عليهِ النّبيُّ ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ وطلب منه شيئاً يشرب، فقال له إنّي مُؤتمن، فطلب منهُ النّبي ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ شاة ليس في ضرعها لبن، فمسح عليها النّبيُّ ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ فدرّت حليباً، فشرب منهُ وسقاهُ وسقى أبا بكر، ودعا لهُ النبيُّ بالبركة، وبعدها أسلم عبدالله ابن مسعود، وكان أول من جهربالقرآن الكريم في مكة، وشارك عبدالله بن مسعود في كلِّ غزوات النّبي ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ وهو قاتل أبي جهل يوم بدر، وشارك أيضاً في الفتوحات الإسلامية في الشام.
روايته للحديث
إنَّ عبدالله بن مسعود من أكثر الصّحابة رواية لحديث النّبي ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ فمن وقت هجرتهِ رضي الله عنه إلى المدينة، لزم النّبيّ ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ هو ووالدته أم عبد، فكان كضلٍّ يمشي مع النّبي ــ صلى الله عليه وسلّم ــ يُلبِس النّبيّ ــ صلّى الله عليه وسلّم ــ النعل، ويمسك لهُ العصا، ويمشي أمامه، ويحضّر له الماء للوضوء، وكان حريصاً على تعلّم الحديث مع علمهِ بالقرآن، يسأل النّبي عليه السّلام ويحفظ منه، يستمع إلى غيرهِ من الصّحابة، ويروي عنهم، فسمع من جيل الصّحابة أمثال: عمر بن الخطّاب، وسعد بن معاذ، وروى عنهُ كثير من الصّحابة والتابعين من أمثال: عبدالله بن عبّاس، وأبو موسى الأشعريّ، وعبدالله بن عمر بن الخطّاب وغيرهم، وبلغ مجموع ما روى الصّحابيّ عبدالله بن مسعود848 حديثا فأكثر.
وفاته
بعد أن أمضى عبدالله بن مسعود زمناً في الكوفة، وزيراً عيَّنه عليها عمر بن الخطاب، وعزله عن هذا المنصب عثمان بن عفان، وما كان عليه إلَّا السمع والطاعة والرجوع للمدينة المنورة، والبقاء فيها إلى أن أصابه مرض كان سبباً في وفاته سنة 32 للهجرة النّبوية الشريفة، وقد كان عمرهُ يزيد على الستين عاماً.
رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين.