السّبب من أقسام الحكم الوضعي وتعريفه لغةً: ما يُعمل بهِ إلى غاية معينة، وعند الاصطلاح: ما وضعهُ الله شارحاً لحكمٍ شرعي بحيث يوجد هذا الحكم عند وجودهِ، وينعدم عند عدمه وعلى هذا يمكن تعريف السبب في الاصطلاح: هو كل أمر وضع الله وجودهُ علامةً على وجود الحكم، وعدم وجوده علامةً على عدمهِ: کالزنا لوجوب الحد، والجنون لوجوب الحجر، والغصب لوجوب رد المغصوب إن كان قائماً ومثله أو قيمته إن كان هالكاً، فإذا انتفى الزنا والجنون والغصب: انتفى وجوب الحد (العقوبة) والحجر والرد أو الضمان.
أقسام السبب :
السبب كونهُ عملاً للإنسان، أو ليس عملاً له، ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: سبب ليس فعلاً للإنسان ولا تحت قدرته، ومع هذا إذا وجد سبب وجد حكمهُ، لأن الله ربط الحكم به وجوداً وعدماً، فهو إمارة لوجود الحكم وعلامة لظهوره، کدلوك الشمس لوجوب الصلاة، وشهر رمضان لوجوب الصيام، والاضطرار الإباحة للميتة، والجنون والصغر لوجوب الحجر، القسم الثاني: سبب هو فعلاً للإنسان وفي قدرته، كالسفر لإباحة الفطر، والقتل العمد العدوان لوجوب القصاص، والعقود والتصرفات المختلفة لترتب آثارها: كالبيع لملك المبيع من قبل المشتري، وإباحة الانتفاع له به، وهذا القسم من السبب، أي: ما كان فعلاً للإنسان، ننظر إليه.
باعتباره فعلاً للمكلف:
فيكون داخلاً في خطابِ الإنسان وتجري عليه أحكامه، فيكون مطلوباً فعله، أو مطلوباً ترکهُ، أو مخيراً في خطاب التكاليف.
باعتبار ما رتَّب عليه الشارع حكماً:
فيعدُ من أقسام الحكم الوضعي فالزواج يكون واجباً عند خوفِ الدخول في الزنى، و عند المقدرة على تكاليف الزواج مطلوباً جزماً، وهذا حكم تكليفي، وهو سبب والوجوب حکم تکليفي. ويكون سبباً، فتترتب عليه جميع ما كان من المهر والنفقة والتوارث، والسببية حكم وضعي، والبيع مباح وهذا حكم تكليفي، وهو سبب وجود لثبوت ملك البائع للثمن، وينقسم السبب أيضا باعتبار ما يترتب عليه إلى قسمين: الأول: سبباً لحكمٍ تكليفي: کالسفر لإباحة الفطر، وملك النصاب لوجوب الزكاة والثاني: سبب لحكم هو أثر لفعل المكلف: الوقف لإزالة الملك من الواقف، والنكاح سبب للحل بين الزوجين، والطلاق لإزالة الحل بينهما.
ربط الأسباب بالمسببات:
إن وجدت هذه الأسباب وتحققت شرعاً فترتبَ الحكمُ عليها، البُنُوّة سبب للإرث والمانع: هو القتل المتعمد، أو اختلاف الديانة، فإذا وجد السبب، وتحققت شروطه، وانتفت الموانع ترتب عليه أثره وهو الميراث، وإذا انتفى الشرط، أو وجد المانع فإنّ السبب لا يكون سبباً منتجاً أثره.
وترتب الأصل على أسبابه، يكون بحكم الله، ولا دخل في ذلك الرضا المكلف أو عدم رضاه، فالله هو الذي جعل الأسباب مفضيةً إلى أصلها سواء أرادها المكلف أم لم يردها، رضي بها أم لم يرض بها، فالابن يرث أباه، لأنّ البنوَّة سبب الميراث بحكم الله ووضعه، ولو لم يرده المورث أو رده الوارث، والذي يعقد النكاح على أن لا مهر للزوجة أو لا نفقة لها أو لا توارث بينهما، كان ما اشترط لغواً لا قيمة له ؛ لأنّ الشارع هو الذي حكم بترتب هذه الآثار وغيرها على عقد النكاح فيجب المهر للزوجة وتثبت النفقة لها ويجري التوارث بينهما، وهكذا بقية الأسباب تفضي إلى آثارها المقررة لها شرعاً ولو لم يردها المكلف.