السنة النبوية دليل أصولي

اقرأ في هذا المقال


يتفق العلماء والفقهاء من أهل السنة والجماعة على تعريفٍ اصطلاحيٍّ للحديث النبوي على أنّه كل ما ورد عن النبي من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ -والتقرير من الإقرار أي الموافقة وكل قولٍ أو فعلٍ حدث أمام النبي الكريم ولم يُنكره أو بُلِّغ به أي لم يحدث أمامه ولم يُنكره على فاعله أو قائله بل سكت عنه أي أقرَّه- أو صفاتٍ خَلقِيَّةٍ -صفات النبي الكريم الجسمانية وسلوكه- أو صفاتٍ خُلقِيَّةٍ -أخلاق النبي الكريم قبل وبعد الإسلام-، وهذا المقال يُقدِّم بحث عن السنة النبوي كدليل أصولي.

بداية السنة النبوية:

قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} صدق الله العظيم، في بداية الحديث عن السنة النبوي لا بُدّ من الإيماءة إلى أنّ الحديث النبوي أو السُّنة النبوية كما يُطلقُ عليها بعض العلماء من أهل السُّنة والجماعة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، فالحديث النبوي حُجة دينية على المسلمين انطلاقًا من أنّ كل ما يصدر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يوافق عليه من الأمور التشريعية أو التنفيذية ما هو إلّا وحيٌ من عند الله تعالى، فهي بذلك مُلزِمةٌ للمسلمين اتباعًا واحتكامًا بعد القرآن الكريم إذ تدخل ضمن طاعة النبي الكريم الواجبة.

كتابة السنة النبوية:

بدأت عملية كتابة وتدوين وجمع الأحاديث النبوية في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إذ قام عددٌ من الصحابة الذين يجيدون القراءة والكتابة بتدوين ما سمعوه من أحاديث نبوية كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، وعند التعمّق في بحث عن الحديث النبوي وجمعه يُلاحظ أنّ البداية الحقيقية للجمع كانت في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز بواسطة الإمام الحافظ الزهري فكان أوّل من دوّن الحديث النبوي دون تبويبٍ ثم توالت عملية التدوين فيمن بعده في أكثر من موضعٍ ففي المدينة المنورة ظهر الإمام مالك بن أنس وابن أبي عروبة وغيرهم وفي مكة المكرمة ظهر ابن إسحاق وعبد الملك بن جُريج وفي الكوفة ظهر سفيان الثوري وحمّاد في البصرة أمّا في بلاد الشام فكان الأوزاعي، وفي القرن الثالث الهجري ازدهرت عملية تدوين الأحاديث النبوية وتبويبها وتصنيفها بحسب سندها إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ببروز عددٍ من العلماء الأجلاء كالإمام أحمد بمسنده وغيرهم، ثم كانت النقلة النوعية الكبرى في جمع الأحاديث النبوية بظهور الصِّحاح -صحيحيْ البخاري ومسلم- اللذين اعتمدا على ما حُفِظ من الأحاديث في صدور العلماء والمشايخ وما دُوِّن في كتب من سبقهما من العلماء.

اختلاف العلماء بعدد السنة:

اختلف علماء الحديث عند بحث عن الحديث النبوي من ناحية العدد حيث لم يستطع أحدٌ الجزم بعددها؛ نظرًا إلى أنّ صحّة نسب أي حديثٍ للنبي -عليه الصلاة والسلام- هو أمرٌ نسبيٌّ يعود إلى معايير يضعها جامع الحديث من ناحية السند والمتن والرواة وحالة الرواة وغيرها من الأمور المرتبطة بالحديث أو متنه، فبعض الأحاديث ضعيفةٌ عند مجموعةٍ من العلماء بينما ذاتها صحيحةٌ أو حسنةٌ عند غيرهم من علماء الحديث، لكنّ هذا الاختلاف النسبي لم يمنعْ من محاولة إيجاد عددٍ تقريبيٍّ للأحاديث الصحيحة كالبخاري الذي قال عن نفسه “حفظتُ مائة ألف حديثٍ” أي من الأحاديث الصحيحة، ويجب على المسلم معرفة الأحاديث النبوية الصحيحة والعمل بها طاعةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك أكثر منفعةً وجدوى في الدنيا والآخرة مع ضرورة الانتباه إلى ما جاء في الكتب الموثوقة من أحاديث ضعيفة أو موضوعة كي لا يقع المسلم ضحية الابتداع بدلًا من الاتباع.

أنواع السنة النبوية:

لمّا كان النبيّ محمد -صلَّ الله عليه وسلم- خير البشر فلا بُد أن يكون كلامه مكان اهتمام ورعاية الجميع، فكان من حوله يتتبّعون كلامه وأفعاله فيقتدون به وينقلون لغيرهم ما رأوا أو سمعوا منه – صلى الله عليه وسلّم- إذ إنّ الاقتداء به طريقٌ لدخول الجنة والبعد عن النار، لذلك كانوا يتبعونه أينما حلّ وذهب ليقتدوا به أحسن اقتداء، وغير أنّ اتباعه سبيلٌ إلى الجنّة، فقد كان أفضل نموذج بشري للأخلاق، فإنّ السنة النبوية لم تقتصر على كلام الرسول فحسب بل على أفعاله أيضًا.

السنة القولية:

أول أنواع السنة النبوية التي سيتمّ الكلام عنها هي السنّة القولية تعني ما وَرد عن النبي -صلّى الله عليه وسلم- من أقوال فمثلًا حديث” من أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد “ هذا قول ورد عن الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- بوحيٍ من الله فالحديث النبوي الشريف معناه من الله ولفظه من سيدنا محمد، وهي أقوى حجّة من باقي أنواع السنّة، فإذا تعارض القول مع الفعل رُجِّح القول؛ لأن فيه ذكر صريح بطريقٍ مباشر، وقد يكون الفعل خاصًا به من دون الناس فقصد هنا من الفعل الخصوصيّة له -صلّ الله عليه وسلم- لكنّ القول يبقى واضحًا عامًا موجّهًا لعامّة الناس.

السنة الفعلية:

هي فِعل الرسول فمثلًا: حديث عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال:” كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ”وهي إحدى أنواع السنة النبوية وهي ما نُسِب إلى الرسول – صلّ الله عليه وسلم- من أفعال، فهذا الحديث يدل على فعل الرسول -صلّ الله عليه وسلم- في الصلاة، فاقتدى الناس به في ذلك وعُرفت كيفية أداء الصلاة من فعله -صلّى لله عليه وسلم- حتّى هذا الزمان تتمّ الصلاة كما فعل.

السنة التقريرية:

آخر أنواع السنة النبويّة التي تلي السنة الفعلية هي السنّة التقريرية وهي ما صدر من الصحابة من قول أو فعل فأقرّهم عليه النبي -صلّى الله عليه وسلم- فاستحسنها أو لم ينكرها عليهم، فمثلًا: حديث خالدِ بن الوليد قال: “أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بضبٍ مشويٍ، فأهوَى إليهِ ليأكلَ، فقيلَ له: إنهً ضَبّ، فأمسكَ يده، فقال خالد: أحرامٌ هوَ؟ قال: لا، ولكنَّهُ لا يكون بأرضِ قَومي، فأجِدُني أعافُه، فأكلَ خالدٌ ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَنظر” إذْ أقرّ الرسول على خالد أكل الضب ولم ينكره عليه، لكن السنّة التقريرية أضعف في وجوب الاتباع إذ قد تكون خاصّة في لحالة أو ظرف مُعين.

ثمرات اتباع السنة النبوي:

  • كسب محبّة ورضا الله -سبحانه وتعالى- فهذا لايكون إلّا باتباع رسوله.
  • البعد عن البدع والعصمة منها.
  • كسب شفاعة الرسول -صلّى الله عليه وسلم- يوم القيامة.
  • مجاورة النبي في الجنّة.

شارك المقالة: