اقرأ في هذا المقال
فإنّ أعداء الإسلام لمّا رأوه قوة هذا الدين، وصدق رسوله الكريم، وعظم آياته التي جاء بها من عند الله تعالى- وهي القرآن الكريم- سلكوا في سبيل الصد عنه أساليب شتى، وألواناً من الغزو الفكري، بغية التشكيك في الرسول والرسالة.
وهذا التشكيك والتشويش ليس جديداً، بل هو قديم قدم الرسالة، قال تعالى ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ﴾ [فصلت ٢٦].
ولقد كان تدبر العلماء لهذا القرآن العظيم، من أعظم الأسلحة التي قاموا بها تشكيك المشككين، وتشويش المغرضين، وانتقام الجاهلين لمقام رسول رب العالمين، وعلى رأس أولئك العلماء: الصحابة رضوان الله عليهم.
ومن ذلك: أنّهم رأوا أنّ ثمة آيات لا يمكن أن ينقلها إلّا صادق؛ لأنّها تتضمن عتاباً إلهياً له صلى الله عليه وسلم، وبهذا استدلت السيدة عائشة رضوان الله عليها على ذلك، فقالت: ولو كان محمداً صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لما أُنزل عليه لكتم هذه الآية ﴿وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِیۤ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَیۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِیهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَیۡدࣱ مِّنۡهَا وَطَرࣰا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَیۡ لَا یَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ حَرَجࣱ فِیۤ أَزۡوَ ٰجِ أَدۡعِیَاۤىِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡا۟ مِنۡهُنَّ وَطَرࣰاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولࣰا﴾ [الأحزاب ٣٧].
ومن تلك الدلائل التي تزيد المؤمن يقيناً، تدبرُ بعض الأحداث التي نزل فيها القرآن، ومن ذلك:
- مخالفة القرآن لطبع الرسول صلى الله عليه وسلم- وعتابه الشديد له في المسائل المباحة: وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه ويهواه، فيخطئه في الرأي يراه، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه، فإذا تلبث فيه يسيراً تلقاه القرآن بالعتاب القاسي، والنقد المر حتى في أقل الأشياء خطراً، فتأملوا قوله تعالى ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [التحريم ١] وقوله تعالى (وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِیهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ).
أرأيت كل هذا الكلام، ألم يكن لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، السكوت عنها سترٌ على نفسه، واستبقاء لحرمة آرائه؟ بلى؛ إنّ هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه لكان يستطيع عند الحاجة أن يكتم شيئاً من ذلك الوجدان، ولو كان كاتماً شيئاً لكتم أمثال هذه الآيات، ولكنّه الوحي لا يستطيع كتمانه: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ بِضَنِینࣲ﴾ [التكوير ٢٤].
والكثير الكثير من الآيات، فاحمدوا الله تعالى – الذي هداكم لاتباع هذا النبي الكريم، الذي تطابقت الأدلة على صدقه في نفسه، وصدق فيما بلغ عن ربه، اللهم فكما هديتنا لدينك، فثبتنا حتى نلقاك.