بعد أن وضع النبي محمد صلى الله عليه وسلم حجرَ الأساسِ لبناء الدولة الإسلامية الجديدة فكانت الخطوة الأولى هي بناء المسجد النبوي الشريف، وكان لا بدّ من النبي وضعِ الأعمدة الأخرى لاستكمال بناء بيت الدولة ، فكانت الخطوة التالية هي تقريب قلوب الناس في هذا المجتمع من بعضهم البعض، فكانت الخطوة التالية هي المؤاخاة بين المسلمين.
المؤاخاة
كانت المؤاخاة هي من أهم الخطوات التي قام بها النبي لاستكمال بناء المجتمع الإسلامي الجديد، فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد آخى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فكان مكان عقد المؤاخاة في بيت الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه ، وكان عددهم الرجال الحاضرين تسعين رجلاً ، نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم الآخر من الأنصار ، وكان عقد المؤاخاة بين الماهجرين والأنصار على عدّة أمور أهمها : المواساة ، وأن يتوارث المهاجرون والأنصار بينهم بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى أن جرت وقعة غزوة بدر.
فأنزل الله عزّ وجل في كتابه الكريم : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) …سورة الأنفال، فعند نزول هذه الآية الكريمة ردّ التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة .
وقد قيل أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين والأنصار بعضهم مؤاخاة ثانية، ولكنّ الأثبت هي مؤاخاة أولى فقط ، وكان المهاجرين مستغنين بأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة فيما بينهم، وتعنى هذه المؤاخاة القضاء على عصبية الجاهلية، وتدمير الفروقيات النسبيّة، وفرق اللون والوطن بينهم، وأن يكون الأساس بين الناس هي الإنسانية ، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلّا بالتقوى .
فكانت لهذه الخطوة دور كبير في تقوية الروابط بين الناس ، إن كانت روابط دينية أو إنسانية ، فوحَّدت هذه الخطوة صف المسلمين، وأصبح صفاً قوياً منيعاً لا يمكن أن يهتز أو أن يتشتّت ، وأزالت كل ما يفرق بينهم من عصبية قبلية أو عرقية أو حتى مكانية، فللمؤاخاة حِكمَةٌ بليغةٌ ، إذ إنّها تمتاز بالسياسة الحكيمة، وهي حلٌ للكثير من المشاكل التي يمكن أن تواجه المجتمع الإسلامي.
فمن صور المؤاخاة هي تقاسم الأنصار بيوتهم وأموالهم وحتّى زوجاتهم مع المهاجرين ، فقد آخى النبي بين الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف والصّحابي سعد ابن الربيع رضي الله عنهما ، وكان الصحابي عبد الرحمن بن عوف يتقاسم ماله الكثير مع سعد ابن الربيع ، وحتى أنّه كان عنده زوجتين، طلق أحدهما ليزوجها لسعد.